
لماذا نتذكر بعض الأحداث الصغيرة من الماضي؟ عندما كنت في الرابعة عشر أو الخامسة عشر أذكر مرة كنت فيها مع أختي نتسوق ثم ذهبنا لمخبز يصنع أنواع الحلويات والكعك، أختي سألتني إن كنت أريد شيئاً فأشرت بيدي لجميع الأشياء وقلت: كل شيء! عدت إلى المنزل دون أي شيء 😂
الطمع والرغبة في كل شيء هي طبيعة في نفوس معظم الناس، الحديث عن الإنتاجية واستغلال الوقت هو نوع من الطمع لأن الناس يريدون فعل كل ما يمكن خلال الوقت القليل الذي نملكه في هذه الحياة، وهذا قد يجعل البعض يقيس الأشياء بالكم، إنجاز عدد من الأعمال وشطبها من الدفتر أو التطبيق يصبح هدفاً في حد ذاته بدلاً من التفكير في نوع الأعمال ولم ينجزها الفرد، ويصبح وقت الفراغ هو العدو لأنه وقت إن لم يستخدم للإنجاز فهو وقت ضائع.
والبعض يزيد على ذلك بأن يجعل الوقت كله للعمل، وقت الفراغ لا يستخدم للترفيه أو الراحة لأنهم يظنون أن هذا هدر للوقت ويمكن استغلاله للعمل، وقد يذهب البعض أبعد من ذلك بتقليص وقت النوم لأنه مضيعة أخرى للوقت لكن عاجلاً أو آجلاً سيتعلم الدرس عندما يجد نفسه متعباً ومضطراً للنوم أو في حالة بعض اليابانيين … يسقطون من الإعياء ويرحلون من الدنيا، ماتوا بسبب العمل وأعطوا لهذه الظاهرة اسماً: كاروشي
ثم هناك السرعة ونحن في عصر السرعة، التقنية تجعلنا نعيش في مكانين أو أكثر فالفرد منا له وجود أمام شاشة، وفي الشاشة له وجود في غرفة دردشة وفي تطبيق تواصل للعمل وفي شبكة اجتماعية ويتنقل بين هذه الأماكن ليشارك في كل ما يمكن ويرى كل ما يمكن ويحرص على ألا يفوته شيء.
البعض لا يكتفي بأن يكون منتجاً بل يحاول أن يكون منتجاً وبسرعة، والبعض لم يعد لديه صبر ليحصل على نتائج العمل فهو يشعر بأن النتائج يجب أن تصل الآن، حتى بعضنا يستعجل الترفيه، مقطع فيديو مسلي ومفيد في يوتيوب بطول عشرين دقيقة قد يبدو لبعضنا طويلاً.
ثم هناك مواضيع القوائم التي تنشرها بعض المواقع وترسخ أهمية الكم على الكيف:
- 100 كتاب يجب أن تقرأه قبل أن تموت.
- 100 فيلم …
- 100 نوعاً من البيتزا يجب أن تجربها!
هذه القوائم تخبرنا بأن حياتنا ستصبح أغنى إن استهلكنا الأشياء، حياة فرد شاهد مئة فيلم أكثر غناً من حياة فرد شاهد خمس أفلام، بالطبع لا أحد يقول ذلك لكن هذا ما أشعر بأن القوائم تقوله، استهلك كل شيء، لا تدع شيئاً يفوتك، كل وقت يمكن استغلاله لفعل شيء، أشتري كل شيء.
من لديه حياة لكل هذا؟ لو عاش الفرد منا ألف عام فلن يستطيع أن يفعل كل شيء، سيموت وهو ما زال لم ينجز كل أعماله، لم يجرب كل نوع من الحلوى ولم يقرأ كل كتاب تمنى قراءته.
اقبل حقيقة أن حياتك قصيرة وأنك لا تستطيع فعل كل شيء، هذا سيجعل الحياة أبسط وسيجعلك تتقبل فكرة أن يفوتك شيء، ذلك الكتاب الذي يقرأه الجميع؟ لست بحاجة لقراءته، ذلك المكان الذي يزوره كل من حولك، لا بأس إن لم تزره، لا بأس إن لم تستخدم ذلك التطبيق الذي أصبح مشهوراً مؤخراً، المواقع والشبكات الاجتماعية التي تتابعها باستمرار … لن يحدث شيء إن توقفت عن متابعتها مؤقتاً أو قلصت المحتوى الذي تتابعه.
تمهل، اختر القليل، واقبل بأن أكثر ما في الدنيا سيفتوك.
هذه التدوينة بالتحديد تحتاج إلى الطباعة وتوزيعها على شباب الجامعات المقبلين على الكاروشي (أول مرة اعلم عنه من تدوينتك)، مررت بالفعل بهذه المرحلة، احترقت وظيفيًا الطمع كان لا يتوّقف، تضررت بشكل بالغ صحيًا ونفسيًا، وبعدها قررت وقفة مع النفس ووجدت أنّ أي شي سيفوتني لا بأس به ولن يكون نهاية العالم، النوم لساعات كافية، والجلوس مع من أحبهم، وانهاء مسؤولياتي بعناية هي الأولويات القصوى، شكرًا لك على هذه التدوينة الرائعة
إعجابLiked by 2 people
العمل في اليابان يعتبره هناك الناس أهم من العائلة أو جزء كبير من العاملين في المؤسسات خصوصاً الكبيرة، الخروج من العمل في نهاية يوم الدوام يراه البعض عيباً ويبقون لأن الآخرين يبقون ويعملون لساعات متأخرة في الليل، يصبح العمل هو الأهم ولا غرابة في أن ينام بعضهم هناك ليبدأ اليوم التالي دون الذهاب إلى المنزل أو يذهبون لفندق صغير يحشرهم في غرف صغيرة:
https://en.wikipedia.org/wiki/Capsule_hotel
الأمر بدأ يتغير منذ عقدين تقريباً لكن ببطء، الأجيال الشابة تريد التوازن في الحياة وبعضهم يتجه للأرياف للعمل بالقرب من الطبيعة وفي المزارع التي أهملت.
أسأل الله لك التوفيق، نتعلم من الحياة ونتغير ونأمل أن من بعدنا لا يقع في نفس أخطائنا.
إعجابLiked by 1 person
يوجد مثال آخر مختلف تماماً عن مثال اليابان، حيث أن الموظف أو العامل الياباني دافعه للعمل ليس لأجل المال أو قلة المال لكن للفراغ الاجتماعي حيث أصبح العمل هو البديل لذلك الفراغ. لكن المثال الذي أقصده هو في الدول الفقيرة حيث يعمل الشخص لأجل تأمين الحد الأدني من متطلبات الحياة وهو عمل أشبه بما يُسمى العمل بالسُخرة أي يعمل اﻹنسان من أجل أن يأكل ويشرب ويسكن فقط، ومن لديه عائلة كبيرة يعولها ربما لا يكفيه العمل الشاق لسد تلك المتطلبات.
يوجد مثال ثالث هو لدولة غنية وهي أمريكا حيث يعمل بعض الناس في أكثر من دوام لتأمين المتطلبات الدنيا، لكن تختلف هذه المتطلبات الدنيا عن الدول الفقيرة وهي لتأمين مسكن مريح وأقساط سيارة وحياة غالية تُعتبر رفاهية غصباً عن رغبة ذلك الشخص.
إعجابإعجاب