في الصورة أعلاه ترى جزيرة أبوظبي وإلى الجنوب الغربي منها ترى جزيرة طويلة خالية أو شبه خالية، هذه هي جزيرة الحديريات، منذ عرفت الدنيا وهي جزيرة خالية قاحلة لا شيء فيها ولا يمكن الوصول لها إلا بالقوارب، هذا تغير قبل سنوات عدة عندما أنجز العمل على مشروع جسر يربط بين أبوظبي والجزيرة، جزء من الحديريات لم يكن موجوداً من قبل وقد ازدادت مساحتها بدفن البحر، الجزيرة حالياً هي وجهة سياحية ومقصد لمن يريد ممارسة الرياضة، هناك شوارع مخصصة للدراجات الهوائية وهناك خدمة تأجير دراجات.
هذه الأيام الصباح بارد حقاً وهو من النوع الذي يجعلني أود البقاء في المنزل وأعد الشاي وأجلس لأقرأ، لكن تجاهلت عدم رغبتي في الخروج لأنني ما إن أصل إلى الجزيرة سأتمنى ألا أعود وهذا ما حدث، رؤية هذا البحر يعيد ذكريات كثيرة، بالأمس رأيت البحر لكن في منطقة أخرى من أبوظبي، هنا في جزيرة الحديريات يمكنني تذكر أين ذهبنا مع أبي رحمه الله ويمكنني أن أرى جزراً زرتها وخلفها هناك جزر أقمت فيها مرات عدة، قضاء ليلة في جزيرة وفي الشتاء تجربة لا مثيل لها.
البعد عن المدينة يعني البعد عن إزعاجها، في الجزيرة لا تسمع شيئاً سوى صوت البحر والطيور، وإن كنت محظوظاً فقد ترى شهاباً يضيء السماء والأرض لثوان قليلة ثم ينطفئ بسرعة، في اليوم التالي قد ترى صخوراً تطفو على سطح البحر! هل سبق لك أن رأيت ذلك؟ هذه صخور أتت من الفضاء، هذه بقايا الشهاب.
في هذا الجانب من أبوظبي قضيت وقتاً طويلاً على الشاطئ وفي البحر، كنت أهرب من المدرسة التي لا تبعد عن الشاطئ كثيراً وأذهب لمرسى القوارب لأرى الصيادين يعودون بصيدهم ويبيعونه هناك على الشاطئ، أرى بعضهم ينظف القارب وآخر يجري صيانة وهناك من يعد شباك الصيد، الوقت هنا يمر ببطء والحياة بسيطة كما كانت تبدو لي في ذلك الوقت، كنت أرى هذا المكان مدرسة أفضل من المدرسة.
اليوم عادت لي هذه الذكريات وشعور أن الوقت يمضي ببطء، كنت أود أن أجلس وأرى البحر واستقبل الشمس ودفئها وأبقى هناك لساعات دون أن أفعل أي شيء آخر، أينما ذهبت بنظري تذكرت أنني كنت هناك مع أبي، أو كنت هناك مع صديق نصيد السمك، أو كنت في تلك الجزيرة التي كانت فيها حديقة حيوانات صغيرة.
أما الحديريات نفسها فهناك مرافق حديثة، شاطئ جديد وملاعب رياضية ومسارات للجري والدراجات الهوائية، كل هذا جميل بلا شك لكن لم أهتم به، كنت في عالم آخر وفي وقت مختلف، عندما كان كل ما حولي غير موجود.
هذا مكان جميل جداً، لكنك لم تُظهر الرمال، أتمنى أن لا يكون كله تحول إلى طُرق.
عندما كُنت أبحث عن مكان لنطلب منك أن تذهب إليه كرحلة كلفت ابني يوسف بالبحث عن منطقة في أبوظبي فدلني على جزيرة ترابية مشابهة للحديرات، لكن لم يكن بها جسر تحتاج إلى قارب للوصول لها، فطلبت منه أن يبحث عن جزيرة أخرى بها جسر
الرمال لا تستحق التصوير، المكان قاحل وأعني أنه فارغ من الحياة تماماً، تربة سيئة بالكاد ينمو عليها شيء والجزيرة مسطحة كذلك، لو كانت هناك كثبان رملية على الأقل سأصورها، ونعم أحتاج للجسر للعبور لأي جزيرة، لا أظن أنني سأخرج للبحر مرة أخرى 😅