عندما أكتب ملخصاً لكتاب أضع في العنوان كلمة كتاب، في هذا الموضوع أستخدم كتيب لأنه كتاب صغير الحجم، قياسه 15×10 سنتم، ويحوي 71 صفحة ومقالتين فقط، سبق أن كتبت عن رغبتي في شراء الكتاب والآن أكتب عنه، المؤلف هو وندل بيري، كاتب مقالات وروائي ومزارع وناشط بيئي، في 1987 نشر مقالاً بسيطاً عن عدم رغبته في شراء حاسوب وكانت ردة الفعل مفاجأة له وللناشر ومن الردود التي قرأتها يتبين لي أن الإنترنت ليست السبب في أن بعض الناس يكتبون الردود بحدة وسوء خلق بل هذا موجود قبل الإنترنت، الفرق بالطبع أن الشبكة تعطي مساحة أكبر لهؤلاء ووسيلة أسرع لكتابة تعليقاتهم.
مقالة لماذا لن أقدم على شراء حاسوب تبدأ بحديث الكاتب عن امتعاضه من حاجته للاعتماد على شركة الكهرباء ومحاولته تقليل هذا الاعتماد بقدر الإمكان، فهو يستخدم الخيول في مزرعته ويعتمد على الورق والقلم للكتابة، زوجه تستخدم آلة كاتبة لإعادة طباعة ما كتبه وتحريره، الآلة اشتراها في 1956 وما زالت تعمل ويمكن أن أخمن بأنها ما زالت تعمل إلى اليوم، عدة أشخاص أخبروا الكاتب بأنه بشراء حاسوب يمكنه تحسين وضعه ككاتب وهو لا يرى ذلك ويذكر الأسباب:
- الحاسوب يحتاج لكهرباء وهو يريد تقليل الاعتماد على شركة الطاقة.
- لا يحب شركات الحاسوب وقد رأى إعلاناتهم التي تبشر المزارعين بحل مشاكلهم بشراء آلات غالية الثمن، ورأى حملاتهم الدعائية لوضع الحواسيب في المدارس بدلاً من الكتب.
- الحاسوب لا يساعده على تحقيق ما يهمه: السلام، العدالة الاقتصادية، صحة البيئة، النزاهة السياسية، العائلة والمجتمع والاستقرار، العمل الجيد.
- الحاسوب سيكلف المزيد من المال.
- الحاسوب سيجعله يعتمد كلياً على نفسه في حين أنه يقدر علاقته بزوجه والعمل الذي ينجزانه معاً.
- الحاسوب لن يجعله كاتباً أفضل.
ثم يضع شروط للأدوات ومتى يستبدل القديم بالجديد:
- الآلة الجديدة يجب أن تكون أرخص من الآلة القديمة.
- يجب أن تكون صغيرة الحجم أو بحجم الآلة القديمة.
- يجب أن تقدم نتيجة أفضل من الآلة القديمة.
- أن تستهلك طاقة أقل من الآلة القديمة.
- إن أمكن أن تستخدم الطاقة الشمسية.
- قابلة للصيانة.
- يجب أن تشترى بالقرب من المنزل ويمكن صيانتها في نفس المكان.
- يجب أن تأتي من محل يملكه شخص ويمكنه صيانة الجهاز.
- يجب ألا تتسبب في مشكلة لما هو جيد وحسن في الواقع وهذا يشمل العائلة والمجتمع والعلاقات بين الناس.
هذا المقال باختصار وهو مقال بسيط، الردود عليه كانت سلبية معظمها وهناك من وافق الكاتب، المخالفون أتهموه باستغلال زوجه أو اتهام زوجه بأنها “مطيعة” له وهناك نبرة سخرية في ردودهم، هناك من أشار بأن المجلة التي نشرت مقالته تعرض إعلانات من شركات تساهم في تدمير البيئة مثل شركة بترول أو شركة تدخين، الإشارة لمثل هذا التناقض ليس له أي فائدة، من يفعل ذلك يطلب المستحيل من الناس بأن يكونوا كاملين بلا نقص أو يعيشوا حياة بلا تناقض وهذا غير ممكن، كونك إنسان يعني أنك ستعيش التناقض.
رد الكاتب بأن الردود على مقالته صورته بأنه على الجانب الخطأ من التاريخ ومع ذلك لماذا الردود متضايقة مما كتبه؟ الكاتب يرى أنه انتقد ما سماه الأصولية التقنية وهي كأي أصولية ترغب في الهيمنة على المجتمع ولا تقبل بأي اختلاف صغير ويرددون بأن الماضي كان حياة شاقة وبلا معنى وأن الحاضر أفضل بسبب آلات اشتروها، هكذا يصبح المستهلك بائعاً ومبشراً بالمنتجات الاستهلاكية.
إن نظرت لواقع التغطية الإعلامية للمنتجات التقنية سترى أنه على حق، وهذا شيء انتقدته بنفسي في مدونتي السابقة وربما في هذه المدونة.
ما كتبه وندل بيري في مقاله القصير يفترض ألا يضايق أي شخص، كاتب يعبر عن رأيه وما يفعله في حياته، لكن البعض رأوا ذلك هجوماً عليهم وعلى اختياراتهم، كما يحدث حالياً في الشبكة عندما يكتب شخص ما مقالاً يتحدث فيه عن تجربة ما تخالف التيار العام، عدم استخدام الهاتف الذكي مثال جيد، أو الانقطاع عن الإنترنت، ترى في الردود على مقالات أو مقاطع فيديو أناس غاضبون ومتضايقون ويصفون صاحب التجربة بالمزعج وربما المتكبر والمتعالي في حين أن صاحب التجربة لم يفكر بأي شيء من هذا، فقط يريد أن يعرف أثر تجربته على نفسه.
في النهاية وندل بيري استمر في الكتابة ولا زال إلى اليوم مع تقدمه في السن ونشر عشرات الكتب ما بين شعر ورواية ومقالات، وما زال مستمر في فعل ذلك دون حاسوب.
المقال الثاني في الكتاب والذي يأخذ معظم صفحاته بعنوان النسوية، الجسم والآلة، في هذا المقال يتحدث أكثر عن نقد الناس له لاعتماده على زوجه في كتابة المقالات على الآلة الكاتبة وتحريرها واتهامه بأنه يستغلها أو أنها راضية بأن تكون خادمة له، كل ما قاله في المقال أنها تستخدم الآلة الكاتب وتحرر له مقالاته وأنها أفضل ناقد له، ليس هناك تفاصيل أخرى ويفترض بأي قارئ ألا يطلق الأحكام دون أن يعرف المزيد، لكن مجرد قوله بأن زوجه تساعده كان كافياً للبعض لكي يتهموه باستغلالها.
في المقال بيري يقول بأنه يرى الزواج تعاون بين الزوجين وليس أن يخضع أحدهما للآخر، نقطة أخرى مهمة أنه يرى عمل الزوجين في صناعة واحدة في المنزل أو المزرعة شيء يفضله على العمل لشركة مقابل راتب، ذكر أن الناس ينظرون لمثل هذا العمل نظرة دونية خصوصاً تجاه النساء اللواتي يعملن في المنزل، نقاده لن يجدوا أي مشكلة لو أن زوجه تعمل في شركة نشر وتحرير كتب وأن هذا جزء من وظيفتها، بيري يرى أن الناس يتجاهلون حقيقة أن الكثيرين يكرهون وظائفهم وأن الشركات تستغل الناس، ليس النساء فقط بل الرجال كذلك، لذلك بيري يرى أفضلية عمله في المنزل، وأنه وزوجه يعملان معاً وليس هناك رئيس ومرؤوس، هذا بالنسبة لهم أفضل من الخضوع لشركة أو لآلة.
أذكر بأن بعض صناع تقنية المعلومات في وادي السيليكون صنعوا منتجاتهم وخدماتهم لتقليل الاعتماد على الناس بقدر الإمكان، بعضهم يقول ذلك صراحة وإن نظرت لأي شركة تقنية تضع نفسها في المنتصف بين الناس فهي تحاول أن تطور خدمة تقلل الاعتماد على الناس، ولو كان بإمكانهم إلغاء الناس كلياً لفعلوا ذلك، هذا يسير عكس ما يريده وندل بيري الذي يرى قوة في تكوين مجتمع وعلاقات مع الناس واعتماد الناس على بعضهم البعض.
المقالين كتبا في أواخر الثمانينات وأرى فيهما الكثير مما يحدث اليوم، وأظن أن الناس سيوافقون وندل بيري اليوم أكثر من الماضي.
أختم بفقرة من المقال مترجمة:
قيل لي إن الحاسوب يقدم نوعاً من المساعدة لا يمكنك الحصول عليها من الآخرين؛ سيساعدك الحاسوب على الكتابة بسرعة وسهولة ويزيد إنتاجيتك أكثر، بدا لي لفترة من الوقت أن كل أستاذ جامعي قابلته أخبرني بذلك، هل أنا إذن أريد أن أكتب أسرع وأسهل وأكثر؟ لا. معاييري ليست السرعة والسهولة والكمية. لقد تركت ورائي بالفعل الكثير من الأدلة على أنني كتبت بالقلم الرصاص بسرعة وبسهولة، وكتبت الكثير. أود أن أصبح كاتباً أفضل، ولهذا أحتاج إلى مساعدة من بشر آخرين، وليس آلة.
نعم، اشتري الكتيب واقرأه مرات عدة.