لماذا أصور؟

لا أظن أن أحداً يستطيع اتهامي بالتفكير العميق، وأعترف أنني لا أفكر في الأشياء بعمق، لماذا أكتب؟ لماذا أصور؟ لم أبحث يوماً عن إجابة ولا أظن أن البحث عن إجابة سيغير شيئاً، الرغبة في الكتابة والتصوير تسبق أي سبب، لذلك أرى البحث عن الأسباب والدوافع ما هي إلا محاولة لتبرير مشاعر لا تحتاج لأي تبرير، لماذا نحب الأشياء أو شخصاً ما؟ أرى أن البحث عن إجابة لمثل هذا السؤال لا فائدة منه لأن المشاعر تسبق الأسباب، لأن محاولة البحث عن إجابة هي محاولة لصنع منطق لشيء لا منطق له، أنت تحب لأنك إنسان، ألا يكفي ذلك؟

كما قلت؛ لا أحد سيتهمني بالتفكير العميق، لكن أكتب هذا الموضوع لتوضيح بعض الأسباب التي تدفعني للتصوير، وهذا نوع من التفكير.

In rubber tree farm

منذ عرفت الدنيا وأنا أحب مراقبة كل شيء حولي، اللعب مع الآخرين وإن كان ممتعاً عندما كنت صغيراً لم يكن ممتعاً كلحظات كنت أجلس فيها لوحدي وأراقب ما حولي، عالمي كان صغيراً في ذلك الوقت ومحدوداً بالمنزل والمنطقة التي أعيش فيها، التصوير في ذلك الوقت كان جزء من هذا العالم وشيئاً مألوفاً، رأيت من يحمل كاميرات الأفلام ورأيت الصور ودفاتر الصور، وفي سوق قريب رأيت محلات للتصوير تبيع الأفلام والكاميرات وخدمات التصوير.

أذكر هدية كاميرا في أوائل التسعينات ولا أذكر من كان صاحب الهدية، كنت سعيداً حقاً بالكاميرا وسارعت لتصوير صور عديدة وللأسف لم أحتفظ بشيء منذ هذه الصور والكاميرا نفسها ضاعت أو سرقت، لكن حبي للتصوير كان موجوداً منذ ذلك الوقت، أذكر أنني كنت أصور الأشياء من حولي تماماً كما أفعل اليوم، الكاميرا كانت من نوع رخيص وكل ما تحتاجه هو تصويبها نحو شيء ما ثم الضغط على زر التصوير.

Take my photo! - صورني

في منتصف التسعينات وحتى أواخره كنت مصوراً في نادي تراث الإمارات فرع البطين، أعطيت كاميرا حديثة من نوع SLR لأنني أجبت على سؤال “من يعرف التصوير؟” وبكل ثقة قلت أنا وهي ثقة مراهق لا يعرف الدنيا بعد ولا يعرف حتى استخدام الكاميرا، لكن تعلمت وبدأت أصور وأوثق فعاليات النادي وقد كان أسلوبي مناسباً للنادي لأنه تصوير توثيقي وليس فني، العديد من صوري تحولت لصور كبيرة تعلق في النادي وهذا أمر أسعدني ولا زال، لا أدري ما الذي حدث للصور، في الغالب وضعت في مخزن ما، النادي ما زال موجوداً لكن الفرع أغلق مع كل الفروع الأخرى.

ثم جاء عصر التصوير الرقمي، اشتريت عدة كاميرات صغيرة ورخيصة وأهديت كاميرا مستعملة من صديق مرة، اشتريت مرة كاميرا جيدة وهذه لم تكمل معي طويلاً حتى أعطيتها لشخص آخر، والآن أتمنى لو أستطيع شراء كاميرا جيدة لكن أسعارها غالية، بالطبع الكاميرا مجرد أداة لكن لا يمكن أن نتجاهل أن كاميرا المناسبة وعالية الأداء ستقدم إمكانيات أفضل لالتقاط صور أفضل، وأحياناً الصور لا يمكن التقاطها إلا مرة واحدة لأن اللحظة لن تتكرر، وأود أن تكون معي كاميرا أفضل مما لدي الآن.

وجدت في التصوير وسيلة لتوثيق أيامي وهذا ما أفعله عندما أخرج من المنزل، لا أصور داخل المنزل إلا قليلاً لأن أيامي متشابهة ولا أجد فائدة في تذكرها، وأنا أصف نفسي بالكاتب لكن لم أستطع يوماً أن أكتب مذكرات كما يفعل كثير من الكتّاب، غالباً لأنهم يعيشون حياة نشطة فيها الكثير مما يستحق التوثيق وأنا راض بحياة هادئة بسيطة ولست أشتكي من ذلك، هذا ما أردته لنفسي وأنا أعيش في نعمة ولله الحمد على نعمه التي لا تحصى.

عندما أعود لصوري على حسابي في فليكر أتذكر ما حدث في ذلك اليوم وأين كنت ومع من، وأي يوم لا أصور فيه يتلاشى من الذاكرة، لذلك التصوير نوع من الذاكرة طويلة الأمد وقد تبقى بعد رحيلي وسيراها آخرون بدون سياق وسيراها كل شخص بنظرة مختلفة.

التصوير يساعدني كذلك على ممارسة ما فعلته منذ طفولتي من تأمل لكل شيء حولي، في مرحلة ما بدأت أسأل نفسي عندما أكون في أي مكان: ماذا ترى؟ أحاول رؤية التفاصيل لكل شيء، أحاول رؤية الناس وما يفعلونه، أحاول فهم ما يحدث وما أراه دون أن أسأل أو أتحدث مع أحد، فقط أرى ما حولي والكاميرا تصبح وسيلتي لكتابة الأفكار، أصور التفاصيل والصورة العامة وقد لا أنشر الصور لكنها تعطيني فرصة لتذكر الأشياء لاحقاً.

أحياناً أرى أشياء جميلة أود توثيقها وهذا ما أجده في الورود حتى صنعت ألبوماً في فليكر للورود فقط، وبالطبع أجد الجمال في أشياء كثيرة، في أشكال وألوان متناسقة لمبنى أو مكان، أحياناً في الناس وما يفعلونه، مثلاً بائع خضار يجلس في محله، هذا منظر أراه جميلاً ويستحق أن يوثق.

هذا الشخص

قبل سنوات عدة بحثت عن مدينة أبوظبي في إنستغرام وفليكر ووجدت صوراً لأماكن مثل فندق قصر الإمارات ومسجد الشيخ زايد وحلبة سباق سيارات وأماكن فخمة مختلفة وسيارات فخمة، هذه ليست أبوظبي التي أعيش فيها، لذلك رأيت أن تصويري للأماكن العادية والشعبية أكثر أهمية الآن لأنها جزء من حياة الناس في أبوظبي وأود توثيق هذه الأماكن قبل أن تتغير وتذهب، أريد من الناس رؤية جانب آخر من أبوظبي لا يجد حقه من التوثيق.

التصوير يساعدني كذلك على التمهل، عندما أكون في أي مكان ولدي كاميرا أجد نفسي أنظر في كل شيء لكي أجد فرصة للتصوير، هذا يختلف عن وضعي عندما أكون بلا كاميرا وأسير بسرعة لكي أنجز العمل الذي أتيت من أجله، بدون كاميرا لا أوثق هذا اليوم ولا أذكر شيئاً مما فعلته والأماكن والناس والذكريات تتلاشى بسرعة.

Old man

أيضاً التصوير يعطيني فرصة لصنع فن ما، لا أدعي إتقاني للتصوير لكن أعرف أن بعض صوري جيدة ويمكنني تحسين مستواي بتعلم بعض التقنيات واستخدام كاميرا أفضل وكذلك بالتمهل في التقاط بعض الصور، أصور لأنني لا أتقن الرسم وحتى لو أتقنته فالتصوير سيبقى شيئاً أود ممارسته.

بقي أن أذكر بأنني أحب التصوير بالأبيض والأسود وقد أتجه للتصوير بهذا الأسلوب فقط، شيء ما في إزالة الألوان يجعل الصور  أجمل في رأيي، يصبح التركيز على الأشكال والمواضيع التي تعرضها الصور.

هل أجبت على سؤال العنوان؟ لا أدري، لكن كانت هذه محاولة.

10 thoughts on “لماذا أصور؟

  1. لقد أجبت عن السؤال بطريقة رائعة، ولم ألاحظ موهبتك في التصوير قبل ذلك أستاذ عبد الله. هنيئًا لك!

  2. تدوينة ممتازة وجميلة جداً والصور جميلة وتلك التي يظهر فيها أشخاص يحيطون بجالس يشير لشيء ما أمامه مثيرة للخيال حقاً
    التصوير هواية عميقة ويظهر فيها نَفس المصور الشخصي .. وتصوير الأماكن الشعبية والمهددة بالزوال أمر لا يقدر بثمن
    أعجبني جداً ربطك بين الصور والتذكر وهذا وحده يكفي لكي لا نكف عن التصوير
    التصوير بالأبيض والأسود هو من أصعب أنواع التصوير لأنه لا يوجد لديك لاظهار مقصدك من الصورة سوى التدرجات من الأبيض للأسود
    هناك وثائقي من الجزيرة شاهدته منذ سنوات يتكلم عن هذا الموضوع وهذا رابطه
    https://www.youtube.com/watch?v=A_ww7oiYtJw&t=559s

    1. بارك الله فيك، الرجل الجالس هو داوود رحمه الله، وقد كانت لحظة سريعة، سعيد أن الصور أعجبتك.

      توثيق الذاكرة بالصور قد يكون له أثر في المستقبل، نحن اليوم نستطيع رؤية صور لأناس قبل مئة عام وأكثر ويمكننا الحديث عن شخصيات مختلفة بالصورة، بعض الناس ممن كان لهم أثر لم يجدوا حقهم من التقدير إلا بعد رحيلهم وصورهم كانت مصدراً مهماً للكتابة عنهم.

      شكراً للوثائقي، أخبرتني عنه سابقاً ولم أشاهده بعد، سأصحح هذا الخطأ 🙂 سأشاهده اليوم إن شاء الله.

  3. فعلاً الهوايات لا تحتاج منا لإجابة لماذا نحبها، لكن لا بأس أن نجيب لنتفكر ونعرف قيمة ما نهوى
    التصوير هو توثيق جيد للأحداث والمعلومات كما ذكرت، وصور الورود جميلة جداً
    أنا شخصياً بدأت هوايتي مع التصوير قبل ظهور الكاميرا الرقمية واحتفظ اﻵن بألبومات صور كثيرة، ثم اشتريت كاميرا رقمية أول مرة نهاية عام 2004 وكنت في الحج وأول توثيق بها كانت رحلة الحج.
    احتفظ بكل الصور التي التقطها وأرجع إليها لمعرفة أحداث واستذكارها ومعرفة متى حدثت، و أصبحت مرجع للعائلة في تجميع هذه الصور حيث في الماضي كنت اصور معظم مناسبات ورحلات العائلة. أمس مثلاً زارنا بعض أقاربنا وأريناهم صور في رحلات كانت قبل أكثر من إثني عشر عام وكان معظم شباب العائلة أطفال، وطلبوا منا أن ننقل لهم هذه الصور واشتكوا أن معظم صورهم التي صوروها بالجوال تُحذف مع مرور الزمن ولم يستطيعوا الاحتفاظ بالصور القديمة

    1. أحاول تعليم أبناء أخي أن هواتفهم ليست مكان مناسب للصور وأن عليهم حفظها بأسلوب آخر، لكن لا فائدة، لا أحد يريد بذل مجهود 🙂 بينما الصور القديمة تبقى لفترة طويلة ويمكن عرضها بسهولة على الآخرين كما ذكرت، بل بعض أنواع الصور يمكن أن تبقى لأكثر من مئة عام.

Comments are closed.