لاحظت أنني أقضي وقتي في مكتبة إلكترونية صنعت في الثمانينات والتسعينات وهي برنامج قديم صنع باستخدام هايبركارد ومطورها استمر في تحديثها وطرح عدة إصدارات، العجيب أن اسمها “لو كان الرهبان يملكون ماك” لكن آخر نسخة منها لا تعمل في نظام ماك وتعمل في ويندوز بلا أي مشكلة.
المكتبة قديمة لكن محتوياتها جيدة وتحوي الكتب وبرامج تفاعلية وألعاب وأدوات كذلك، أداة لكتابة مفكرة وأخرى للكتب الإلكترونية، قضيت وقتاً مع المكتبة دون أن أنتبه للوقت أو يشتت انتباهي أي شيء، هذا ما يفترض أن تكون عليه الويب والمواقع، حلم الوسائط المتعددة أن يصبح الحاسوب مصدر للتعليم والترفيه، ولفترة في التسعينات وأوائل الألفية كانت هناك برامج وسائط متعددة كثيرة مثل موسوعة إنكارتا من مايكروسوفت وعدة عناوين طرحتها مايكروسوفت وهناك ألعاب تعليمية كثيرة طرحت في ذلك الوقت، هذه العناوين تشترك مع مكتبة رهبان ماك في كونها تعمل بلا اتصال بالشبكة، كانت عالماً خاصاً بعيداً عن ضوضاء الويب.
حالياً مثل هذه الأعمال نادرة ولا أعرف شيئاً منها، عندما طرحت أبل آيباد كانت هناك موجة من برامج تعليمية تستغل الجهاز لتقدم محتوى رائع لكن لم يستمر شيء منها، خصوصاً أن أبل تغير نظامها وتطلب من المطورين تحديث برامجهم وبعض المطورين لا يجدون الرغبة في تحديث برامجهم القديمة.
أما الويب فحقيقة أجد أن اليأس تجاهها هو أفضل خيار، طبقات من المحتوى السيء قبل الذكاء الاصطناعي والآن المزيد من الناس لديهم القدرة على صنع المحتوى بسهولة تامة، موقع بنتريست (Pinterest) كان مكاناً رائعاً بالنسبة لي لأنه مكان يشارك الناس فيه بالصور لكل شيء، فيه وجدت ما لم أعرفه وتعلمت منه الكثير ولا زلت، لكن الآن الموقع يعاني من محتوى الذكاء الاصطناعي وخصوصاً فيما يتعلق بوصفات الطعام، لدي اهتمام بمعرفة مختلف الثقافات ولذلك أنقر على وصفات الطعام لأقرأ قصتها أو تاريخها، الوصفة نفسها لا تهمني بل السياق الثقافي لها أو علاقتها بالكاتب لأن الوصفات وسيلة لمعرفة الثقافة المحلية التي ربما لن تجدها في أي وسيلة أخرى.
مستخدمي الذكاء الاصطناعي يعرفون جاذبية صور الطعام لذلك صنعوا مواقع وصفات وقد وصلت للعديد منها، هناك قاسم مشترك بينها:
- افتتحت مؤخراً من عام إلى ثلاثة أعوام.
- تنشر العديد من المواضيع كل يوم، وجدت واحدة تنشر ما يقرب من 33 موضوع كل يوم، أكثر من 14 ألف موضوع في أقل من عامين.
- الصور مصنوعة بالذكاء الاصطناعي وأحياناً لا تطابق الوصفة.
- النص مكتوب ومنظم بطريقة منطقية ومناسبة لما يسمى بالسيو، عناوين، قوائم، نص ممل وقالب متكرر في كل موضوع.
الناس اشتكوا وأنا شخصياً كتبت للمعلقين أخبرهم بأن الوصفة صنعت بالذكاء الاصطناعي على أمل أن هذا يغير شيئاً، نعم الذكاء الاصطناعي هنا وسيغير العالم إلى الأسوأ.
يوتيوب يعاني كذلك من نفس الظاهرة، قنوات صنعت كلياً بالذكاء الاصطناعي وتنشر يومياً مقطع فيديو أو أكثر، وأحياناً يكون من الصعب معرفة أن الفيديو صنع بالذكاء الاصطناعي حتى يبدأ الفيديو بتكرار نفس الجمل والأفكار وهذا أجده في تعليقات الناس الذين شاهدوا الفيديو ولاحظوا أنه يعرض محتوى ضحل متكرر وفيه العديد من الأخطاء، خدمات الذكاء الاصطناعي معروف عنها ثقتها التامة بطرح أي شيء على أنه حقيقة وكذلك معروف عنها سرعتها للاعتذار عن أي شيء حتى لو اتهمها المستخدم بشيء لم يقله الذكاء الاصطناعي، يضايقني كذلك أن الشركات تحاول أن تجعل الذكاء الاصطناعي يتحدث مثل الناس فيمدح ويشكر ويعتذر بدلاً من أن يكون أكثر فعالية ويتحدث بعرض الأفكار باختصار.
الويب بالنسبة لي أصبحت مثل مكب نفايات بعدما كانت ساحة عامة مفتوحة للجميع، الآن الشركات التقنية تهيمن على الساحة وحولتها لمزبلة، حتى رأيي بأن علينا صنع مواقعنا الخاصة بعيداً عن الشبكات الاجتماعية أجده غير كافي، الويب نفسها أصبحت كالمريض الذي يأس من الشفاء وينتظر الموت.
كنت أفكر بكل هذا ثم وصلت لمقال يتحدث عن الويب الجديدة أو إعادة تشغيل الويب، هناك أناس صنعوا شبكات بديلة مثل جيميناي لكن مشكلة مثل هذه الحلول أنها إقصائية وتعتمد على أن يبادر الفرد لاستخدامها وأكثر الناس لن يستخدموها أو حتى لا يعرفونها وربما هذا ما يريده مستخدمي الشبكة البديلة؛ أن تبقى صغيرة وبعيدة عن الأنظار.
ما هو الدافع لصنع المحتوى في يوتيوب ومواقع عديدة؟ التربح هو الهدف الأساسي لذلك كثير من الناس ليس لديهم أدنى مشكلة في صنع محتوى ضحل وسيء ما دام أنه مربح، وظاهرة تأثير الشبكة يعني أن الناس سيتجهون للأماكن التي تحوي أكبر جمهور وهذا يعني الشبكات الاجتماعية وسيعطون انتباههم لهذه الأماكن وهذا يعني انتباه أقل بكثير أو معدوم للمواقع الأخرى بما في ذلك المدونات والمواقع الشخصية.
ليس هناك حل سهل والذكاء الاصطناعي الذي يفترض أن يحذر منه الناس تجده يستخدم في كل مكان حتى في المواقع العلمية وفي كتابة الأوراق والدراسات لأن هناك نظام يدفع الباحثين للنشر بغض النظر عن جودة المحتوى.
لا عجب أن أجدني أفكر بأن اليأس أسهل الحلول، أحياناً أفكر بأن أتوقف عن الاتصال بالشبكة معظم الوقت وأكتفي بالكتب وما أنزله من محتوى للحاسوب ثم أقطع الاتصال لأسابيع أو أشهر إلى أن ينفذ ما لدي من مقالات وكتب … لاحظ أقول أفكر، في الغالب لن أفعل ذلك، أشير فقط إلى أنني أرى الوضع سيء لهذه الدرجة.
لا أظن أن الانعزال سيكون حلًا للمشكلة. قد نكون نحن – المدونون البشريون – أمل الإنسانية اﻷخير، في محتوى عربي حقيقي، خال من الذكاء الاصطناعي.
الانعزال ليس حلاً ومع ذلك أرى أهمية تكوين مجتمعات بعيداً عن الشبكات الاجتماعية، هذا لا يعني العزلة أو عدم استخدام الشبكات الاجتماعية بل تستخدم بقدر الحاجة ويقضي الفرد وقته في مجتمع أفضل وأصغر.
في الانترنت نفسه ماتزال مواقع ممتعة فعلا مثل مواقع نيوسيتيز، المنصة التي استضيف موقعي عليها
أجد نفسي أقضي وقتي في هذا الجانب من الويب أكثر وأكثر، أوافقك بأن هذا الجانب ممتع، وما يحدث للويب سيكون له عواقب لا نتوقعها، أرى أناس يتحدثون بجدية عن إنشاء شبكة بديلة للإنترنت وليس الويب، بمعنى أسلاك وأجهزة منفصلة تماماً عن الإنترنت، أرى أناس يتحدثون عن إنشاء مواصفات جديدة للويب تكون مناسبة للناس وليس الشركات، عدة دول في الماضي حاولت فصل شعوبها في شبكة خاصة مثل ما تفعل الصين.
عندما تتلوث البيئة سيتحرك الناس ويفعلون شيئاً، إن لم يكن بالإمكان إصلاح السبب الأساسي للتلوث فالبديل سيكون إنشاء بيئة أخرى.