لماذا يشعر الروبوت بالألم؟

الرسام: جون تيركوزي

(1)
زوكربيريج الرجل الذي يقتات على خصوصيات الناس لديه مسؤولية تجاه شركته ميتا (فايسبوك سابقاً) لذلك عليه دائماً أن يتحدث عن المستقبل وما سيفعله لتشكيل هذا المستقبل، أفضل طريقة لتوقع المستقبل هو اختراعه، أليس كذلك؟ الهدف هنا هو أن تكون شركته دائماً محط انتباه الناس والمستثمرين ومحاولة دفع الشركة للنمو أكثر وللسيطرة على أي سوق تستطيع أن تصل له، زوكربيرج كان مؤمناً بأن المستقبل سيكون للميتافيرس لكن ظهر ذلك الشيء الجديد الذي يبدو واعداً أكثر وأصبحت ميتا شركة ذكاء اصطناعي.

يتحدث زوكربيرج عن إمكانيات الذكاء الاصطناعي ومنها أن الناس سيكون لهم أصدقاء صناعيون أكثر من أصدقاء الناس، وأن هؤلاء الأصدقاء الافتراضيين سيكون لديهم فهم أعمق لك، بمعنى أن عليهم معرفة أدق وأهم خصوصياتك التي لن تبوح بها لأي شخص إلا لأقرب شخص لك وبعضنا لا يبوح بأي شيء لأي شخص، زوكربيرج يرى الذكاء الاصطناعي فرصة لإعطاء الناس إمكانية الوصول لطبيب نفسي، الشخص الذي لا يبوح بأسرارك لأي أحد لأن هذا جزء من المهنة وضرورة للثقة بينه وبين الناس.

هل تثق أن زوكربيرج لن يستخدم خصوصياتك ليبيعك للمعلنين أو الحكومات؟

(2)
حلم صنع أصدقاء آليين قديم ومع ظهور روايات الخيال العلمي أصبحت فكرة الروبوت الصديق (أو العدو) مألوفة، الكتب والأفلام تحاول استكشاف الأفكار وعواقبها وتعرض ما قد يحدث وغالباً تكون نقداً للحاضر أو للمستقبل القريب الذي يتوقعه الكاتب أو المخرج.

حرب النجوم بدأت بثلاث أفلام ثم توسعت لعالم من الروايات والقصص المصورة ومزيد من الأفلام والمسلسلات، وكلها تحوي الروبوت أو كما يسمى في عالم حرب النجوم درويد (Droid)، هناك إثنان من الدرويد يعتبران من أشهر شخصيات الأفلام، آرتو ديتو (R2-D2) وسي ثري بي أو (C-3PO)، كلاهما يملكان ذكاء اصطناعي لكن أود التركيز على سي ثري بي أو لأنه يتحدث مثل الناس ومصمم لفهم أكثر من ست ملايين لغة، بالطبع شيء خيالي والذكاء الاصطناعي اليوم لا يفهم اللغة، يحاكيها نعم لكن هذا ليس فهم.

في الفيلم الثالث من حرب النجوم (الذي يسمى الجزء السادس كذلك!) هناك مشهد تعذيب درويد:

بسبب مثل هذه المشاهد كنت أرى أن أفلام حرب النجوم الأولى صنعت لكل الناس بما في ذلك الأطفال، لم أهتم كثيراً بما يحدث لكن لاحقاً بدأت أفكر بالأمر، من صنع وصمم الدرويد أعطاهم ذكاء يماثل ذكاء الناس وأحياناً يتفوق عليهم، وأعطاهم كذلك إدراك للذات ومشاعر مثل الخوف ومحاولة الحفاظ على النفس ولسبب ما أعطاهم كذلك القدرة على الشعور بالألم! لماذا؟

الحاسوب لا شك يمكنه التفوق على الناس في مجالات عدة فمثلاً يمكنه التغلب عليهم في لعبة الشطرنج، لكنه لن يستطيع أبداً الشعور بلذة الانتصار، لذلك إضافة مشاعر للروبوت في الأفلام والروايات هي محاولة لتقريبهم للناس وكذلك تطرح فكرة الروبوت الواعي للنقاش، هل هذا ما نريد؟ كيف سنتصرف لو كان هناك روبوت لديه إدراك ذاتي ومشاعر وقادر على التعلم؟ هل من الحكمة صنع شيء مثل هذا؟

في عالم صممته شركات التقنية ليعاني من الوحدة (لم يكن هذا هدفهم لكن هذا ما حدث) لا شك أن فكرة الصديق الإلكتروني تزداد جاذبية وهناك أناس يمارسون ذلك حالياً مع خدمات الذكاء الاصطناعي، والفكرة ليست جديدة بل بدأت منذ الستينات مع برنامج دردشة يسمى إليزا، إن كنت تستخدم لينكس يمكنك تثبيت إليزا بسهولة من خلال استخدام المحرر إيماكس.

(3)
في الماضي كنت أرى اختراع شيء جديد ليس مشكلة في حد ذاته بل في استخدام الاختراع، الآن لم أعد أؤمن بذلك، قبل اختراع الشيء سؤال لماذا سنفعل ذلك يجب أن يكون الأهم وليس هل نستطيع فعل ذلك، لكننا نعيش في عالم يصنع أولاً ولا يفكر إلا بعد فوات الأوان، وهناك قصص لأناس كانوا يخترعون الشيء ثم يكتبون في رسائلهم ومذكراتهم عن خوفهم من العواقب ولم يتوقفوا عن صنع الشيء.

ما قاله زوكربيرج مثال واحد لما يفترض أن يدفعنا للتفكير في استخدام تقنيات الأمريكان، لأنهم يصنعون هذه التقنيات على أساس فكري مختلف، هؤلاء لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وبالتالي نظرتهم للحياة مختلفة كثيراً عن نظرتنا للدنيا، بالنسبة لهم هذه حياة واحدة والموت يعني الفناء الأبدي، لا عجب أن يبحث هؤلاء عن الحياة الأبدية بأي شكل ويظنون أنهم قريبون من إمكانية رفع أنفسهم للعيش في حاسوب أو روبوت، لا عجب أنهم ينظرون للجسم على أنه مجرد آلة وأن هناك طريقة لفهمه كلياً ومحاكاته وبالتالي إمكانية علاج الموت.

كل هذه الأفكار مترابطة، بعضهم لا يريد فقط أصدقاء إلكترونيين بل يريد أن يعيش في حاسوب ويتخلص من جسمه، سيتخلصون من أجسامهم عاجلاً أو آجلاً .. من يستطيع الهرب من الموت؟

5 thoughts on “لماذا يشعر الروبوت بالألم؟

  1. أستاذ عبدالله، مساء الأنوار،
    أود أن أنوه أن ليس كل الأمريكان هكذا:

    “هؤلاء لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وبالتالي نظرتهم للحياة مختلفة كثيراً عن نظرتنا للدنيا، بالنسبة لهم هذه حياة واحدة والموت يعني الفناء الأبدي، لا عجب أن يبحث هؤلاء عن الحياة الأبدية بأي شكل ويظنون أنهم قريبون من إمكانية رفع أنفسهم للعيش في حاسوب أو روبوت، لا عجب أنهم ينظرون للجسم على أنه مجرد آلة وأن هناك طريقة لفهمه كلياً ومحاكاته وبالتالي إمكانية علاج الموت.”

    بل من هم غارقين في المادية فقط، مازال هناك عدد من المسيحيين كبير يؤمنون بالله وباليوم الآخر وبالقيامة من الأموات وبالثواب والعقاب، حتى أنه هناك من يعتزل المادية ولو بأبسط صورها مثل الأميش.

    1. سبق أن تحدثت عن طائفة الآمش وأشدت بهم، أنا معجب بهم وأتمنى لو أن العالم يتعلم منهم.

      أدرك ما تقوله، وما أقوله هو عن مطوري التقنيات بالتحديد، كثير منهم إما ملحد أو لا ديني أو حتى لو وصف نفسه بالمسيحي فهو غير ملتزم وغارقين في المادية كما تقول، لذلك أرى أن ننظر بعين ناقدة أكثر تجاه ما يصنعونه.

  2. بصراحة يا عبدالله وبعد كثير من الخذلان الذي قابلني من كثير من بني البشر فلست أمانع في مصادقة أشخاص افتراضيين وأجهزة آلية، على الاقل ساجد عندهم قليل من الوفاء الذي لم أجده في بني البشر، لكن المشكلة تكمن في أن بيانتك ستفقد خصوصيتها بسبب سوء استخدام الشركات المطورة لهذه البرمجيات!

    1. لا أنصحك يا أخ أسامة أذا مررت بتجربة مع بعض الناس أن خذلوك أن تحكم على الباقين، بل جرب مصادقة أشخاص آخرين لكن تحرى الاختيار. أنا شخصياً لم يصادفني هذا الخذلان، ربما ظروفي غير ظروفك لكن لا تقد اﻷمل في الناس

Leave a Reply to أسامة Cancel reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *