في نقاشات مختلفة على الشبكة وجدت شكوى يكررها البعض: لا نستطيع تكوين صداقات جديدة، والصداقات القديمة ماتت لتفرق الأصدقاء، الكبار في العديد من المجتمعات حول العالم يجدون صعوبة في تكوين صداقات جديدة لأن حياتهم صممت ليتجنبوا لقاء الآخرين بقدر الإمكان وهذه ليست مؤامرة بل هكذا صممنا العالم … أو هكذا صمم العالم، أنا وأنت لم نقرر كيف سيكون العالم.
طائفة الآمش في أمريكا معروفون بأنهم لا يستخدمون عدة تقنيات، ما فهمته أنهم يدرسون التقنية قبل استخدامها وإن وجدوا التقنية تتسبب في أن يعتمد الفرد على نفسه سيرفضونها لأنهم يضعون مجتمعهم كأهم شيء لهم وهذا يتطلب تعاون الناس فيما بينهم واعتمادهم على بعضهم البعض، الآمش مثلاً لا يستخدمون الحواسيب والكهرباء للتعامل فيما بينهم لكنهم يستخدمونها لإدارة محلاتهم ومواقعهم التي تبيع ما يصنعونه لغير الآمش.
العالم الذي نعيش فيه عكس عالم الآمش، عالمنا صمم لكي يجعل الفرد يعتمد على نفسه ويعتبر ذلك إيجابية وينظر بدونية نحو الاعتماد على الآخرين، ويمكن للفرد أن يعيش يومه دون أن يلتقي بأحد إلا أفراد عائلته وهذا لا يصنع مجتمعاً مترابطاً، الفرد يستخدم السيارة التي تعمل كقفص حماية ينقله من مكان لآخر يذهب لشراء أو إنجاز شيء ويعود ولا يحتاج أن يلتقي بأحد إلا من يضطر للتعامل معهم، لكن حتى هذا أصبح غير ضروري فيمكنك فعل ما تريد من خلال هاتفك وفي المنزل وسيصلك ما تريد إلى المنزل ولا حاجة للخروج.
لا عجب ألا يعرف الناس جيرانهم ولا عجب ألا يستطيع الفرد تكوين صداقات جديدة لأنه غير مضطر للقاء الناس، ليس هناك مجتمع محلي لأناس يلتقي بهم مرات كل أسبوع أو كل يوم، ليس هناك مكان قريب يجتمع فيه الناس ويمكن أن ترى فيه وجوهاً مألوفة، ولأن الأماكن صممت للسيارات تجد الناس يخشون من ترك أطفالهم يلعبون في الخارج ولا لوم عليهم، لكي يلعب الأطفال خارج المنزل على الأبوين قيادة السيارة والذهاب إلى حديقة أو ساحة ألعاب للأطفال، هكذا لا يتعرف الأطفال على أطفال الجيران ويكبرون في هذا العالم حيث المدرسة تصبح المكان لتكوين الصداقات.
مقر العمل قد يكون المكان الآخر لصنع صداقات وهذا في رأيي يبين حجم المشكلة، يفترض أن نكون علاقات مع محيطنا لكن الخيارات الأسهل تكون بعيدة عنا إما في مدرسة أو مقر العمل، حتى لو انضم شخص ما لمؤسسة تطوعية ففي الغالب عليه أن يستخدم السيارة لكي يشارك في العمل التطوعي.
كل شيء يشير إلى أن الاعتماد على السيارات ليس في صالحنا وله أثر سلبي على صحتنا الجسدية والنفسية، ولست بحاجة لتكرار الحديث عن أثر التقنيات الرقمية على الناس وبالتحديد الهواتف، لذلك أسأل: هل هذه الحياة التي تريدها؟
شخصياً كنت أريد ذلك في الماضي، قبل عشرين عاماً كنت أرغب في الاعتماد الكلي على نفسي وأتمنى لو أن كل شيء يصبح رقمي وعندما تحقق ذلك تغيرت فكرتي للحياة التي أريدها، لا أريد أن أكون مثل الآمش تماماً لكن أنا معجب بفكرة أن يكون المجتمع المحلي هو الأساس ويعتمد الناس على بعضهم البعض، سهولة استخدام التقنية ينظر لها دائماً بنظرة إيجابية وأرى أنه من الضروري تغيير هذه النظرة.
ممارسة الرياضة من ضمن العادات التي تكسر النظام الحالي في الفرادنية وأن يكون الشخص ليس لديه أصدقاء، ولكن الأمر ليس سهلًا في دولنا، حيث الرياضة لا تعدّ روتينًا بل رفاهية بسبب وجودها في آخر اهتمامات الناس، الرياضة أكسبتني أصدقاء جدد بلا شك، وحاليًا أسعى في المكان الجديد الذي انتقلت إليه أن أكمل ما بدأته واخترق مجتمع الدراجين لعل وعسى اكتسب أصدقاء جدد.
بالتوفيق إن شاء الله، ذكرتني بما مضى، كنت أخرج للمشي مع صديق بعد صلاة العشاء كل يوم، إلى أن انتقل لمنطقة أخرى ولم أعد للمشي، هناك فرق كبير عند ممارسة الرياضة مع صديق، التعب لا أشعر به.
في المدينة يصعب تكوين صداقات من الحي مثلاً وحتى من المسجد، المكان الوحيد للتعرف على الناس هو العمل. لكن في القرى والريف يلومون الشخص الذي لا يتعرف على الناس.
أذكر أني عند مكوثي في أحد القرى لمدة شهر أو شهرين جاءني أحد الجيران زائراً ولامني على أني لا أزور الناس، وقلت له أني مشغول، فعزمت أن أزور احد الجيران أتعرف عليه كل سبت
حقيقة أتمنى لو أعيش في قرية زراعية وأعمل في الزراعة، أن يلومك شخص على عدم الزيارة فهذه إشارة إيجابية رائعة في رأيي 🙂
صحيح، فيها إيجابية كبيرة، كانوا يرسلون لنا أصناف من أطعمتهم المحلية بعضها لم نعرفها، لابد أن تسلم على كل شخص في الطريق، معظم القرية صارت تعرفنا، كانت تجربة جيدة لكن للأسف لم تستمر طويلاً وسافرنا إلى منطقة أخرى