فايسبوك يستعد لإضافة البعد الثالث

تدور أحداث رواية ريدي بلاير وان في العام 2045، العالم في أزمة مناخية وأزمة طاقة تسببا في تراجع اقتصادي ومشاكل اجتماعية عدة، الناس يهربون من هذا الواقع بالاتصال بعالم افتراضي من خلال وضع قفازات رقمية وشاشات أمام العينين وهناك جهاز للمشي تحت الشخص الذي يدخل لهذا العالم، كل هذا لكي يحاكي حركة الجسم في العالم الافتراضي وهكذا يمكن للفرد أن يعيش في العالم الافتراضي ويتحرك فيه كما يتحرك في الواقع.

العالم الافتراضي عبارة عن لعبة جماعية يتصل بها العديد من الناس حول العالم وهو كذلك ليس لعبة بل هو عالم يعيش فيه الناس وله اقتصاده وأنشطته المختلفة، هذا العالم طرح كفكرة لأول مرة في رواية سنو كراش للروائي نيل ستيفنسون في 1992 وسماه في ذلك الوقت ميتافيرس (Metaverse)، هي شبكة وعالم افتراضي لما بعد الإنترنت.

(1)
العديد من روايات الخيال العلمي تتخيل عالماً مختلفاً بظروف مختلفة وتقنيات خيالية أو شبه خيالية والعديد منها يطرح هذه الأفكار كنوع من التحذير من هذا المستقبل المظلم غالباً في الرواية، كما يردد البعض هذه الروايات هي تحذير وليس دليل استخدام، مع ذلك تجد بعض مؤسسي الشركات التقنية وبعض المبشرين بالتقنية يطرحون هذه الأفكار على أنها شيء إيجابي ورائع ويسعون لتطويرها.

خذ مثلاً كاميرات المراقبة التي أصبحت في كل زاوية في مدن عديدة، قرأت لمبشر تقني يرى أن هذا غير كافي فالعالم يجب أن يغطى بالكاميرات لكي يكون لدينا بث حي ومباشر ومعلومات حديثة عن كل شيء، ماذا عن الجانب السلبي؟ بالطبع المبشر التقني يرى أن هناك جانب سلبي لكن إيجابيات التقنية تستحق أن ندفع ثمنها، المشكلة أنه يطرح الفكرة وكأنها شيء لا مفر منه وستحدث لأننا كبشر ليس لدينا إرادة في مواجهة التقنية … وهذا هراء، كان شخصاً أحترم أفكاره كثيراً إلى أن بدأ يصف التقنية وكأن لها إرادة منعزلة عن الناس.

ليس كل ما تصفه روايات الخيال العلمي هو أمر سلبي، فقد ظهرت أفكار عديدة في الروايات قبل أن تصبح واقعاً، الهاتف مثلاً والحاسوب وإمكانية الاتصال بالناس حول العالم، لكن ينبغي الحذر عندما يبدأ شخص ما أو شركة في تطوير تقنية جديدة ولا يفكرون كثيراً في أثر التقنية على الناس والعالم.

مؤسس فايسبوك مارك زوكربيرج لا يبدو لي شخصاً يفكر بعواقب التقنية فهو مغرم بالحاسوب والتقنيات الرقمية وهي بالنسبة له الحل لكل مشكلة، وقد أعلن مؤخراً أن فايسبوك ستتغير جذرياً ولن تعود شبكة اجتماعية بل شركة ميتافيرس، ماذا يعني ذلك؟ أولاً فايسبوك سيبقى شبكة اجتماعية وقد تتغير تقنياتها لكن أساسها لن يتغير، الثاني أن مصدر أرباح فايسبوك سيبقى كما هو، جمع المعلومات من الناس وتوفير وسيلة للوصول لهم بدقة وعرض إعلانات عليهم.

(2)
ما الذي سيتغير إذاً؟ لا شك لدي أن زوكربيرج يتخيل شيئاً مثل رواية أو فيلم ريدي بلاير وان حيث الناس يتواصلون باستخدام النظارات والقفازات ويعيشون في عالم افتراضي بدلاً من التواصل من خلال شاشات الهواتف النقالة والحواسيب.

لكي أبسط الفكرة أكثر تخيل التالي: تضع نظارات على عينيك تحجب الواقع وتعرض عليك عالماً افتراضياً، هذه تقنية متوفرة اليوم ويمكن شرائها وهي تستخدم في الألعاب غالباً، لكن هناك من جرب صنع تطبيقات إنتاجية أو مكتبية وبالتالي يمكن استخدامها للعمل أيضاً، ما يريده فايسبوك أن يقدم عالماً افتراضياً يدخل له الناس باستخدام النظارات، بدلاً من أن تتواصل مع الناس من خلال الصور والفيديو والنصوص ستتواصل معهم مباشرة بأن تكون شخصية في عالم افتراضي، ستراهم ويرونك ويمكنكم العمل أو اللعب معاً.

يمكن مثلاً زيارة مكان افتراضي مع بعضكم البعض، تصور زيارة متحف أو معرض فني أو متجر تشتري منه بضاعة رقمية مثلاً ملابس جديدة لك وقصة شعر مختلفة، بالطبع فايسبوك خططت للاقتصاد الرقمي ولديها عملة رقمية خاصة بها تسمى Diem، ولديها كذلك منتج نظارة واقع افتراضي تسمى Oculus ولديها البنية التحتية التي تستطيع صنع عالم افتراضي والأهم من ذلك كله أن لديها أكثر من 2 بليون مستخدم لخدماتها.

هل يمكن تحقيق الفكرة؟ نعم يمكن، كل الأجزاء التي تحتاجها الفكرة متوفرة اليوم وتحتاج فقط من يضعها مع بعضها البعض في باقة واحدة وفايسبوك تريد أن تكون هي من يقدم ذلك، طموح زوكربيرج يذهب بعيداً فهو يريد حقاً أن تكون فايسبوك الشبكة الاجتماعية الوحيدة التي يتصل من خلالها العالم كله ويرى أن هذا أمر إيجابي وبالطبع كلامه المتحمس هذا يتجاهل حقيقة أن فايسبوك مصدراً للمصائب في دول عديدة، ولذلك ردة فعل الكثيرين على مشروع فايسبوك كانت سلبية.

المشكلة أن فايسبوك ومع كل النقد التي تتلقاه من كل جهة وحتى مع التحقيقات والغرامات الحكومية حققت أرباحاً وتزدهر، لذلك الحكومة الأمريكية تحقق في إمكانية تفكيك الشركة وفصل إنستغرام وواتساب عنها، وهذا قد يكون سبب توجه فايسبوك نحو ميتافيرس لأنها إن خسرت أهم خدمتين لديها فعليها التحرك سريعاً لتعويض الخسارة.

(3)
في موضوع سابق سألت إن كان بالإمكان صنع شبكة اجتماعية جيدة وفيه تحدثت عن ألعاب الفيديو الشبكية وكيف أنها شبكات اجتماعية لكنها في الغالب لا تذكر عند الحديث عن الشبكات الاجتماعية لأنها توصف بأنها ألعاب فيديو.

مثلاً لعبة وارلد أوف واركرافت هي واحدة من أشهر ألعاب الشبكة وتوصف بأنها MMORPG (هل جربها أحدكم؟)، في اللعبة تصنع شخصية وتدخل في عالم افتراضي وتبدأ من المستوى الأول، شخصية ضعيفة وبقدرات محدودة ومن خلال إنجاز المهمات وقتال الأعداء والحصول على معدات مختلفة تتقدم في اللعبة وتزداد قوتك وقدراتك، ولأنها لعبة شبكية فيمكنك أن ترى شخصيات أخرى تفعل نفس الشيء.

أناس من مختلف دول العالم يدخلون لعالم واركرافت وكل واحد منهم لديه شخصية مختلفة في اللعبة ويتعاونون لتحقيق إنجازات مختلفة أو أحياناً يدخلون في معارك ضد بعضهم البعض.

هناك اللآلاف من ألعاب الفيديو الشبكية التي يدخل لها ملايين الناس يومياً، وهي ألعاب متنوعة لكن الهدف منها كلها هو التسلية.

هناك لعبة أو عالم افتراضي يسمى الحياة الثانية (Second Life) حيث تصنع شخصية لنفسك وتعيش في عالم افتراضي وهذا العالم يبيع أشياء رقمية مثل الملابس والأثاث والمنازل، الحياة الثانية كانت خدمة مشهورة كثيراً في الماضي لدرجة لا يمر يوم دون أن ترى خبراً عنها، كانت تستخدم لتنظيم حملات إعلانية لبعض الشركات واستخدمت كجامعة افتراضي حيث المحاضر يلقي محاضرته أمام الطلاب الذين يجلسون في عالم افتراضي لكن في العالم الواقعي كل شخص يتصل من منزله.

ألعاب الفيديو الشبكية لها تاريخ قديم يعود إلى السبعينات من القرن الماضي بدأت نصية ثم تحولت لرسومية ثم أصبحت ثلاثية الأبعاد، والآن لعبة مثل فورتنايت مشهورة حول العالم والشركة المطورة لها تريد استخدام اللعبة لتحويلها لعالم افتراضي لذلك تنظم مناسبات مختلفة ضمن عالم اللعبة ولا شك لدي أنهم يسعون لفعل شيء مماثل لفايسبوك لكن بطريقة مختلفة.

لماذا أتحدث عن ألعاب الفيديو الشبكية؟ لأنها الأساس لما تحاول فايسبوك فعله، فكرة ميتافيرس كانت خيالية في 1992 لكنها الآن واقعية وتنتظر فقط من يجمع كل الأجزاء في مكان واحد.

(4)
هل الفكرة سيئة؟ لا ونعم! تصور لو أن هناك عالم ميتافيرس ما يمكننا التواصل من خلاله، يمكن تنظيم نشاط بين المدونين العرب مثلاً ونجتمع في عالم افتراضي وكل شخص منا سيكون له شخصية افتراضية وهذه الشخصيات لا يجب أن تشبهنا، شخصياً سأكون على شكل فيل! لماذا؟ لأنني أحب الفيلة.

لكن سنجتمع في مكان واحد وكل شخص سيكون في بلده، هذا لا يختلف كثيراً عما يفعله البعض اليوم من الاتصال بالفيديو من خلال زووم، الفرق سيكمن في التقنية، بدلاً من التحديق في شاشات والجلوس أمامها سنتحرك في عالم افتراضي ويمكننا أن نكون في مدرسة افتراضي أو حديقة أو حتى عالم خيالي رسمته يد فنان، الفكرة تبدو رائعة.

المشكلة هي: فايسبوك، لأن زوكربيرج يحاول أن يضم أكثر من 2 بليون إنسان في هذا العالم الافتراضي، البنية التحتية المتطلبة لهذا العمل ستكون كبيرة وتستهلك كثيراً من الطاقة، فايسبوك سيتمكن من جمع معلومات أكثر عن الناس ويضع الإعلانات في كل مكان في العالم الافتراضي، الناس سيستخدمون الخدمة كما يفعلون في فايسبوك، لنشر الأكاذيب والمعلومات الخطأ والإشاعات، بالطبع سيكون هناك أماكن جيدة كما في فايسبوك لكن هذا لا يلغي الجانب السيء.

أضف لذلك أن فايسبوك تطور نظارة رقمية وهي فكرة جربتها غوغل من قبل ووجدت نقداً شديداً في ذلك الوقت، فايسبوك ستحاول أن تعيد التجربة بتقنيات أفضل وكاميرا في النظارة وشاشة تعرض المعلومات وهذا يعني أن فايسبوك سيكون لها عيون تتحرك وفي كل مكان.

4 thoughts on “فايسبوك يستعد لإضافة البعد الثالث

  1. تدوينة دسمة وموضوع هام حقاً .. كما قلت لن تفعل فايس بوك سوى ما هو سيء بنتائجه المتوسطة على الأقل .. الانغماس في عالم افتراضي سيستعمله الكثير من الناس كنوع من المخدرات .. بالنتيجة هناك عالم حقيقي تجاهله سيؤدي الى كوارث ..
    أعجبتني فكرة اجتماع المدونين التي ذكرتها .. أعتقد أني سأكون نوعاً ما من القطط البرية 🙂
    أتخيل استعمالاً جميلاً لهذه التقنية .. تخيل الجلوس على اطلالة سياحية ما .. التجول في المدن .. الجلوس على شرفة وبحيرة وغابات أمامك .. كل هذا وأنت في منزلك ولن يكلفك هذا أموالاً طائلة .. تبدو الفكرة مغرية حقاً بالنسبة لي.

    1. ما ذكرته عن الإدمان تحدث عنه نيل ستيفنسون في روايته، وهو ما نراه شخصياً في بعض الناس ممن أدمنوا الشبكات والتطبيقات، الرواية كما قلت تحذر من ذلك وهذا في 1992، الويب ظهرت قبل عام فقط في ذلك الوقت.

      الفكرة مغرية فعلاً وأنا متحمس لها كذلك، المهم ألا تكون من فايسبوك 😄 يمكن تنظيم أنشطة عديدة بدون الحاجة للسفر، بالطبع لا شيء يغني عن اللقاء وجهاً لوجه لكن لا يمكن فعل ذلك متى ما نريد، التكلفة والظروف قد تمنع، كما في وقتنا مثلاً مع الجائحة، لذلك هذه التقنية بديل رائع وشخصياً أفضلها على الاتصال بالفيديو.

  2. تدوينة دسمة وموضوع خطير بدأت بوادر تنفيذه تظهر الآن، ما يقلقني حقًا هو احتضان فيس بوك واستثماره الكبير في هذه التقنية لأن الأرعن (لا اعرف معنى الأرعن) 😀 تفكيره دائمًا في الأرقام، ولا يهمه الجانب المظلم من تلك الأرقام، فبالمصري (ربنا يستر).

    1. الرعونة هي الحماقة 😂 ومعك أن الأرعن يهتم بالأرقام أكثر من العواقب، من ناحية أخرى فايسبوك ليست الشركة الوحيدة التي تستثمر في هذا المجال، وهناك كذلك فرصة للمستقلين والبرامج الحرة أن يكون لها دور.

Comments are closed.