منوعات السبت: هل تفتقد الضيوف؟

الرسام: تاديوسز

(1)
الأخ طاهر الزهراني كتب عن أيام الضيوف وأعادني لفترة مضت عندما كان حضور الضيف متوقع في أي وقت وأحياناً هذا يعني الاستعداد المسبق لضيف قد يأتي أو لا يأتي، المجلس يجب أن يكون نظيفاً دائماً ورائحة البخور لا تفارقه، وبمجرد زيارة ضيف يبدأ الإعداد مباشرة بتحضير دلة قهوة وشاي وهناك لا شك التمر، ثم يأتي ما بعد ذلك مما هو متوفر في المنزل، الفواكه إن توفرت أو الحلويات على اختلافها، في ذلك الوقت علبة حلوى كانت شيئاً فاخراً وتبقى العلبة بعد تفريغها لتستخدم لحفظ أي شيء.

لا أحد يتوقع من الضيف أن يتصل مسبقاً ويحدد موعداً بل يذهب للمنزل ويطرق الباب وبحسب المنزل قد يدخل بلا انتظار للرد لأن الناس اعتادوا على ذلك، المجلس مفتوح كل يوم والقهوة جاهزة وهناك دائماً التمر، أما الجيران فزياراتهم بدت لي يومية أو شبه يومية، في ذلك الوقت المنطقة كانت متنوعة ففيها العديد من الجنسيات العربية، كان لنا جيران مصريون وفلسطينيون وكانوا يرسلون لنا أنواع الطعام وقد كتبت عن هذا سابقاً، أتذكر الكعك الذي يصنعه الجيران ويصلنا ساخناً وقد خرج من الفرن قبل دقائق، كنت أحرق فمي بأكله ولا أنتظره يبرد.

لاحظت أن التغير في العادات الاجتماعية بدأ منذ منتصف التسعينات تقريباً، الناس انتقلوا لبيوت جديدة أكبر حجماً وهكذا انخفضت الكثافة السكانية والتنوع كذلك، العرب الذين كانوا يعيشون في المنطقة رحلوا لمناطق أخرى أو عادوا لبلدانهم، البيوت في الماضي كانت صغيرة والمسافة بين أبوابها لا تزيد عن دقيقة لذلك لا غرابة أن يمشي الجار لبيت جاره، الآن المسافات ازدادت وتباعدت البيوت وقلت الزيارات وتغيرت عادات الناس وتوقعاتهم، وصول ضيف بدون تحديد موعد مسبق يراه البعض أمراً مزعجاً وربما من سوء الأدب، المجلس لم يعد مفتوحاً دائماً بل أبواب البيوت مغلقة.

لكن علي أن أكون صريحاً! أقول كل هذا الكلام وأنا أبعد ما يكون عن الضيافة أو حتى أن أكون ضيفاً، حتى في الماضي كنت لا أحب أن أجر إلى المجالس لأرى الضيوف أو ليراني الضيوف، لكن لن أخفي سعاداتي بمقدم الضيوف لأن هذا مبهج بحد ذاته ويكسر رتابة اليوم ولن أنكر أنني أنتظر خيرات ما بعد خروج الضيف، ما قدم للضيف يصبح مباحاً لنا وأحياناً يكون هناك ما لا نراه إلا نادراً، أنواع من الحلويات أو الأكلات التي لم نرها من قبل أو الضيف ربما جاء بطعام من منزله وهذا يمنع لمسه حتى يذهب الضيف.

أرى أن ما نفتقده هي هذه الأيام البسيطة عندما لم نكن نتكلف وليس بيننا إلا مسافة خطوات بين الأبواب، الآن نحن أقرب وأبعد ما نكون عن بعضنا البعض، لدينا أحدث التقنيات التي تتيح لنا أن نبقى على اتصال دائم بالآخرين وهذا ربما يجعلنا نرغب في أن نبتعد عنهم بقدر ما نستطيع، في الماضي عندما يغيب الشخص فأخباره معه حتى يعود، الآن ترى أخباره كل يوم في شيء من الشبكات الاجتماعية.

(2)
لا أذكر كيف وصلت لهذا الحاسوب المنزلي الحديث لكن سعيد أنني وجدته، المشروع يحاول صنع جهاز حديث قديم، حديث المواصفات وقديم من ناحية إمكانية استخدامه وفهمه وتطويره بسهولة كما كانت الأجهزة في الماضي، هذه فكرة كتبت عنها مرات عدة ويسعدني أن أرى من يحاول تطبيقها.

في البداية انظر للجهاز:

وهذا تصور للجهاز يعرض كيف سيكون من الداخل:

اللوحة الأم عبارة عن قطعة تحوي منافذ تضاف لها قطع الحاسوب وتسمى بالإنجليزية Backplane، الحواسيب المنزلية في بداياتها كانت تصنع بهذا الأسلوب وأشهرها كان ألتير 8800، هذا التصميم تغير مع الوقت لتصبح اللوحة الأم تحوي العديد من القطع ومنافذ قليلة لإضافة قطع أخرى والآن هذه المنافذ في الغالب ستستخدم لإضافة بطاقة رسوميات ثلاثية الأبعاد.

الجهاز يضع المنافذ في الأمام على عكس كل الحواسيب، وهذا يبدو لي منطقي لكن لبعض الأشياء مثل لوحة المفاتيح والفأرة والسماعات لكن غير ذلك أرى أن المنافذ يجب أن تكون في الخلف، لكن ربما هذا التصميم يناسب الجهاز من ناحية سهولة الوصول للمنافذ.

الجهاز ما زال يطور واستطاع مطوره صنع نموذج تجريبي يشغل نظام التشغيل المطور له، في صفحة حول الجهاز يذكر المطور تصوره للجهاز وما يمكن فعله ومن بين ما يذكره هو تصفح الويب لكن محدود وبدون جافاسكربت، والصفحة تذكر عدة أشياء لن يوفرها الجهاز، هذا تذكير آخر بأن كثير من المواصفات للبرامج والأجهزة طورت من قبل مؤسسات وللمؤسسات ولذلك تحوي الكثير من التعقيد، وأي شخص أو فريق من الناس يحاول تطوير نظام أو جهاز بسيط سيواجه اختيار: الإبقاء على التبسيط وعدم دعم ما يستخدمه الناس، أو دعم المواصفات وإضافة التعقيد.

لدي يقين أن هناك حاجة لتطوير برامج وأجهزة للناس تكون أبسط وأسهل للفهم ويمكن تطويرها بسهولة ويمكن للفرد فهمها، لكن هذا يعني عدم دعم كثير مما يتوقعه الناس في أجهزة حديثة وأرى أن هذا لا بأس فيه، البقاء على ما تصنعه الشركات يعني أن تضطر لاستخدام ما تقدمه حتى لو كنت تكرهه، من ناحية البرامج يمكن أن ينتقل الفرد للبرامج والأنظمة الحرة لكن ماذا عن الأجهزة؟ مشاريع الأجهزة الحرة ما زالت صغيرة وليس لها تأثير كالبرامج، لكن أرى أنها أكثر أهمية من أي وقت مضى.

اكتب تعليقك هنا ..