فخ الدرج الفارغ

سؤال بسيط: هل لديك درج فارغ في غرفتك؟ إن كان لديك واحد ففي الغالب ستفكر بطريقة لاستغلاله فهذا مكان جيد لإخفاء الأشياء، هذه وظيفة الأدراج فهي تخفي الأشياء وتحميها من الغبار وقد يكون لها قفل، شخصياً كان لدي خزانة كبيرة وهذه كانت تخفي الأشياء جيداً وتجعلني أقع في فخ قديم مرة أخرى.

انتقلت لغرفة أخرى في المنزل وسبق أن تحدثت عن رغبتي في ذلك، الغرفة أصغر بكثير وليس هناك خزانة والآن أدرك أنني ربما لا أستطيع وضع كل المكتبات الصغيرة التي كانت مناسبة للغرفة الكبيرة لكنها الآن غير عملية في هذه المساحة الصغيرة وربما ستبقى العديد من الكتب في الصناديق حتى أجد لها مكاناً أو أتخلص منها.

السبب الأساسي للانتقال هو رغبتي في رؤية شروق الشمس، لم أشغل الإضاءة عندما استيقظت لصلاة الفجر وانتظرت شروق الشمس ولا زالت أشعة الشمس تدخل للغرفة وقت كتابة هذا الموضوع في العاشرة صباحاً، في البيت القديم غرفتي كانت شرقية وكنت أرى شروق الشمس كل يوم، انتقلت لهذا البيت ولغرفة غربية وافتقدت هذا المنظر، في المقابل الغرفة أصغر بكثير وهذا أمر إيجابي.

أعود لفخ الخزانة فعندما كنت أجهز للانتقال وجدت مشاريع مؤجلة وضعتها هناك لسبب ما (لا أذكر السبب!) ونسيتها كلياً لأشهر، كتب أردت تصويرها، صندوق أفلام اشترتها أختي رحمها الله وأردت مشاهدة بعضها، هناك لعبة تعليمية اشتريتها في الغالب قبل أكثر من خمس عشر عاماً ولا زلت أنقلها معي من غرفة لأخرى على أمل أنني سأركبها غداً، بالطبع غداً لن يأتي وأدرك أنني إن أردت إنجاز شيء فالآن هو الوقت المناسب ولا يمكنني تسويف شيء لغداً لأن غداً تصبح دائرة تتكرر كل يوم ولخمس عشر عاماً.

قريباً سأكمل خمساً وأربعين عاماً، أشعر الآن أنني دخلت لمرحلة أخرى من حياتي وأنني لا أملك ترف أن أترك كل شيء لغداً الذي لن يأتي ولم أملك هذا الترف يوماً، وأيضاً لا يمكنني الاستمرار في خداع نفسي بأن أشتري أو أملك ما لا يتسع له وقتي من الكتب والأشياء وفوق ذلك أبدأ مشاريع ثم لا أنجزها وكل ما أتركه ورائي هي مشاريع على مستويات مختلفة من الإنجاز، أغلبها بدأ فقط ولم أنجز حتى 10% منه.

وجود مساحة فارغة وغرفة كبيرة جعلني أفكر بما يمكن فعله بهذه المساحة الفارغة، سأضع مكتب هنا ومكتب هناك، مكتبات هناك والخزانة يمكنها إخفاء كل ما أملك، لدي الآن فرصة لشراء المزيد، نسيت رغبتي في التبسيط بمجرد وصولي لمساحة أكبر وبدلاً من أن أقبل بوجود الفراغ وأسعد به أردت أن أضع شيئاً فيه.

مع التقدم في العمر يزداد تفكيري في الآخرة وفي الموت، وأدرك كما أنا مقصر في حق الله، وهنا أيضاً أقع في فخ غداً كأنما العمر لن ينتهي وهذه مصيبة، لا يهم إن لم أنجز هذا أو ذاك من أمور الدنيا لكن الآخرة أمرها مختلف وليس هناك سوى فرصة واحدة وتنتهي بموت الإنسان.

انتقالي جعلني أعيد التفكير في كل هذا، العمر قصير ولا يسع آمالنا، ومرة أخرى أجدني أكرر نفس الرسالة لنفسي وللجميع: تمهل، اختر القليل، واقبل بأن أكثر ما في الدنيا سيفتوك … والآن علي إضافة: ولا تنسى الآخرة.

13 thoughts on “فخ الدرج الفارغ

  1. نعم لا تنسى الآخرة .. العمر يمر وهناك كثير من الأشياء التي يجب فعلها لكي نحاول ضمان ما سيحدث بعدها .. ونعم أغلب ما ترغب فيه في هذه الدنيا سيفوتك .. لكن بكل الأحوال إذا بدأت بشيء يرضاه الله فأنت وصلت حتى قبل أن تصل .. والله أعلم

    1. نية فعل الخير يؤجر عليها المسلم حتى لو لم يستطع فعل ذلك، أما ما لا نستطيع فعله فأنا في سلام مع ذلك مع أنني أنسى بين حين وآخر أن الوقت لا يتسع لكل شيء، يقيني أننا سنفعل كل ما نريد في الجنة بإذن الله، لذلك لا أحزن ولا أندم على فوات شيء.

    1. هناك عوامل مختلفة لهذه الظاهرة، منها الاقتصاد العالمي الذي يجعل من السهل شراء الأشياء وتكديسها وهناك منتجات لتنظيمها كذلك، ثم هناك الأمل بأنه سيكون لدينا متسع من الوقت والمساحة لكل هذا وهو أمل مخادع وهو الفخ الذي أقع فيه مراراً.

  2. بداية كل عام وأنت وبخير وعمر مديد في طاعة الرحمن، وأن تنعم بالهدوء وراحة البال
    ثانيًا الشمس نعمة كبيرة لا يدركها إلا من ساقه القدر لعدم رؤية الشروق على مدار سنوات طويلة مثلك، ذكرتني بالعقار قبل السابق حيث كانت أشعة شروق الشمس أحيانًا توقظني من النوم وكان هذا شعور جيد، يعيدني ويذكرني بأن هذه النعم لا تقدّر بثمن.
    أشكرك على النصيحة الغالية “تمهل، اختر القليل، واقبل بأن أكثر ما في الدنيا سيفتوك … والآن علي إضافة: ولا تنسى الآخرة.”

  3. اعتقد أن شروق الشمس يستحق. أنا شخصياً أُفضّل الإضاءة الطبيعية. أحمل معي بطارية للطريق لصلاة الفجر لأن معظم الطريق معتم، لكن في الرجوع يكون قد بدأ ضوء الشمس يظهر وبما أن الطريق طويل فتكون هناك فرصة أكبر لارتفاع الشمس وأن يعم الضوء المكان، هذا شعور جيد جداً بعكس المغرب

  4. المسطحات الفارغة لها منظر جمالي مثل المروج أو البحر و كذلك الديكور.
    هل جربت وجود كتاب واحد فقط؟ تستطيع شراء كتاب واحد فقط عندما تنهي الكتاب الذي بحوزتك، و خلال الفترة الفارغة بين وصول الكتاب الجديد و قراءته تقوم بالتخلص من شيء واحد لا تحتاجه أو لم تستخدمه لمدة سنة، أو تقوم بتطوير شيء ما مثل المهارات.
    لا تنس القيام بالفحوصات الطبية الشاملة بشكل دوري و السفر بشكل منتظم إلى أماكن مختلفة في العالم.
    دمت بصحة و عافية

  5. أضف للغرفة الشرقية فائدة أخرى وهي أنها أقل تعرض لحرارة الشمس مقارنة بالغربية، حيث أن الشمس أول شروقها وحتى عالي الضُحى أبرد، وتعريجك على الانتقالات من الدنيا للآخرة فيه عبرة طيبة عسى الله أن ينفع بها، والأكيد أن انتقالتنا الأخيرة إلى القبر هي الفارقة! عسى الله أن يهدينا سواء السبيل. دائما أحب فكرتك التي تقولها بأن علينا أن نقبل بأن أكثر ما في الدنيا سيفوتنا وفي يقيننا أننا سنفعل كل ما نريد في الجنة بإذن الله تعالى ورحمته، لذلك لا لأن نحزن أو نندم على فوات شيء ونسأل الله سبحانه دوماً العفو والعافية دنيا وآخرة.

Comments are closed.