أذكر مشاهدتي لبرنامج السيارات توب جير، في إحدى الحلقات أراد المقدم أن يشرح الفرق بين الإطارات في ثواني قائلاً بأن الإطارات من شركة مختلفة ستكون أفضل وأسرع ثم أعتذر عن كون الموضوع مملاً، من ناحية أخرى يوتيوب يثبت أن الناس يريدون مشاهدة مواضيع “مملة”، هناك مقطع بطول نصف ساعة تقريباً يشرح كل الأساسيات حول الإطارات ومشاهداته وصلت إلى ما يقرب من تسعمائة ألف، ويوتيوب يحوي مقاطع أخرى عن كل صغيرة وكبيرة حول الإطارات، هناك لا شك أناس يريدون تعلم تفاصيل الإطارات ومعرفة الفروق بينها ومعرفة ما هي تلك الأرقام على جانب الإطار.
وسائل الإعلام تحاول أن تخلط بين التعليم والترفيه بمستويات مختلفة وهذا أدى إلى أن تكتب أو تعرض المواضيع على شكل قوالب مألوفة، التقارير عن قضية ما يجب أن تبدأ بقصة شخص، لا يمكن للكاتب أن يدخل في الموضوع مباشرة لأن هذا “ممل” بل عليه تمهيد الموضوع بقصة ومحاولة جذب القارئ بشيء من الترفيه، مسكين ذلك القارئ الذي يظنه المحرر أو الكاتب أنه غير قادر على التركيز ما لم يجد قطعة حلوى في بداية كل مقال.
هذا على افتراض أن وسيلة الإعلام تريد أن تعلم وتثقف القارئ أو المشاهد، كلنا نعلم أن هناك وسائل إعلام هدفها تجاري بحت ووسيلتها هي نشر المحتوى الرخيص والسهل والمظلل وحتى الكاذب، الصحف الصفراء ظاهرة بدأت منذ بدايات الصحافة والعناوين المبالغ فيها ظاهرة تعود لأكثر من قرن وما تفعله المواقع وقنوات يوتيوب اليوم ليس شيئاً جديداً، الهدف دائماً هو جذب انتباه الناس وبالتالي التربح منهم.
هناك من يسير عكس التيار، وصلت لهذا الموقع عن السيارات من خلال رابط لأنني لم ولن أجده في محركات البحث، الموقع متخصص في صناعة السيارات الأمريكية ولا يلاحق آخر الأخبار، في صفحة حول الموقع ستقرأ لماذا هذا الموقع مختلف، الموقع مدعوم بالقراء وليس الإعلانات، والموقع لا يلاحق آخر الأخبار ويصف المواقع الأخرى بأنها متشابهة وهذا صحيح، أزور مواقع سيارات مختلفة وأجدها تتشابه في الأخبار والمقالات واختبارات السيارات والقليل من هذا المحتوى مميز ويستحق القراءة.
نقطة أخرى تذكرها الصفحة وهي التمهل، الموقع لا ينشر مقالات عديدة كل يوم بل مقال واحد كل يوم أو يومين وأحياناً أقل من ذلك، الهدف من الموقع هو التعليم وليس الترفيه، والصفحة تضع رابط لتدوينة كتبت في 2009 حول الأخبار المتمهلة، عندما يحدث شيء ما تسارع وسائل الإعلام لتغطيته وتقع في العديد من الأخطاء وبدلاً من أن توضح الحقيقة تساهم في التظليل وتشكيل صورة غير صحيحة عن الحدث، بالطبع وسائل الإعلام لا يكفيها أن تقول بأن هذا ما تعرفه وهو قليل ثم تكتفي بذلك، لا بد من التحليلات وجلب ضيوف للحديث عن أمر لم يتضح بعد ومحاولة حشو الساعات بتغطية مستمرة ثم ماذا بعد ذلك؟ هل استفاد المشاهد من ذلك؟
تخيل مشهداً مختلفاً للإعلام حيث تنتظر حتى تتضح الصورة ثم تعرض تقرير مختصر للحقائق، هذا قد يتطلب انتظار ساعات أو حتى أيام، لكن هذا لن يحدث لأن وسائل الإعلام تتنافس فيما بينها على انتباه الناس ولأنها كذلك مؤسسات ربحية.
المواقع التقنية لديها نفس مشكلة مواقع السيارات، كثير منها متشابه وكثير منها يكتب الكثير من الأخبار والمقالات والتحليلات ولا أقول بأن كل هذا غير مفيد بل هناك المفيد لكنه يغرق في محيط من المحتوى الضحل، تابعت التدوين التقني منذ 2003 وحتى اليوم وتغيرت علاقتي به منذ ذلك الوقت، في الماضي كل خبر وكل تحديث يستحق الاهتمام ثم بدأت أدرك أنني أقرأ أفكار مكررة بعدد المواقع التي أتابعها، نفس الخبر يطرح في سبعة مواقع ونفس التحليلات تنشر في المواقع فلماذا أتابعها كلها؟ اكتفيت بواحد أو اثنين.
أقل لكن أفضل، هذا ما أريد الوصول له، استهلاك محتوى أقل لكن أفضل في جودته وفائدته، وهذا ينطبق على كل شيء آخر وليس فقط المواقع.
البرنامج المذكور هو برنامج ترفيهي يستخدم السيارات للتسلية و المشاكسات بين أعضاء الفريق.
ما لم تكن المؤسسة الإعلامية حكومية فهي تحتاج إلى الإعلانات لتمويلها أو تكون خدمة مدفوعة كبعض القنوات الرياضية، لذا يجب عليهم تقديم شيء ما للمشاهد حتى و إن كان ذلك تحليل مستهلك.
لتفادي التكرار بالإمكان استخدام قارئ الخلاصات لقراءة العناوين فهي الخبر و ما دون ذلك فهو حشو بالغالب، ما هو قارئ الخلاصات الذي تستخدمه؟
أدرك أن البرنامج ترفيهي، لا حاجة للاعتذار عن موضوع “ممل” لم يأخذ أكثر من عشرين ثانية للحديث عنه، ولم أتحدث عن الإعلانات في الموضوع، بغض النظر عن طريقة تمويل المؤسسة الإعلامية تبقى مسؤوليتها تجاه القارئ أو المشاهد، بدلاً من تسطيح المواضيع عليها أن تعتمد على أن المشاهد قادر على أن يفهم ولديه الفضول ليستمع ويشاهد أو يقرأ.
القارئ هو إضافة Feedbro في المتصفح، كما قلت في الموضوع أتابع موقعين.
للأسف كلمة “ممل” ارتبط بالتفاصيل، مثلاً كان يُطلب من شخص أن يكتب بالتفاصيل المملة عن موضوع كذا، فكأنما حكمنا مسبقاً أن أي تفاصيل سوف تكون مملة. لكن هناك تفاصيل شيّقة مثل ما هُناك تفاصيل مملة، و هُناك عامل آخر مهم خصوصاً في المحتوى المرئي، وهو أسلوب وملكة المتحدث، فإذا كان يتكلم بلغة سليمة واضحة ويُظهر التفاصيل والصور في وقتها ويتحدث عن أمثلة واضحة فإن محتواه سوف يكون جاذب لأن يتابعه الشخص للنهاية ويستفيد منه. أنا شخصياً عندما أبحث عن موضوع لأشاهده اختاره حسب طريقة أداء المتكلم
لدي يقين أن كل المواضيع يمكن أن تكون شيقة والأمر يعتمد على القارئ أو المشاهد، هل لديه فضول ورغبة في التعلم حتى مع وجود أجزاء مملة من أي موضوع، وبالطبع أسلوب المتحدث جانب آخر مهم كذلك، لن أنكر أنني أبحث عن الشخص الذي يتحدث بأسلوب يعجبني.
هذا موضوع هام ولو كنت أستطيع لطبعته ووزعته .. أحد المشاكل الكبيرة بهذا العصر تحول أغلب الناس ليكونوا مستهلكين للمحتوى والمحتوى الموجود .. كما ذكرت .. مكرر في الغالب ورديء ومخادع أيضاً .. الناس لا تحتاج لكل هذا الكم من الأخبار وهو مؤذي أيضاً .. هناك سبب آخر بأنهم يشعرون بالرضا عندما يستهلكونه وكأنهم أصبحوا يعرفون كل شيء 🙂 .. نقطة التمهل قبل إذاعة الخبر حتى يكتمل أعجبتني .. لكن هذا آخر ما سيرغب به من تنادي للأسف
لا يمكننا تغيير طريقة عمل المؤسسات الإعلامية لذلك لا بد من تغيير عاداتنا في استهلاك المحتوى، التبسيط الذي يسعى له بعض الناس في حياتهم يمكن تطبيقه على كل شيء وليس فقط الأشياء التي يملكونها.
نقطة المعرفة مهمة هنا لأننا كبشر لدينا فضول طبيعي لمعرفة كل شيء وهذا ما يجعل البعض يحب الثرثرة عن الآخرين أو الاستماع لها ومحاولة معرفة كل صغيرة وكبيرة عن الآخرين، ولذلك الاستماع للأخبار بغض النظر عن فائدتها جزء من ذلك، الفرد بحاجة لأن يفكر في هذه العادة لكي يدرك كم “الفائدة” التي يجدها، جو المعلومات الذي نعيشه يجعل الفرد يظن أنه سيخسر شيئاً ما لم يعرف آخر جديد الأخبار، يبدو لي هذا سلوك إدماني 🙂