
نشر الأخ فؤاد الفرحان صوراً في ماستودون ثم في موقعه لمكان جميل وهو مركز تجاري مفتوح، وقبل ذلك في تويتر أشرت لأخ كريم حقيقة أن الأماكن القريبة تدفع بالمرء للمشي وذكرني بأن الجو في بلادنا لا يساعد وأنا أوافق على ذلك وأرفض الاستسلام لهذه الحقيقة.
الجو لا يساعد لنصف العام، ثم لدينا جو لا بأس به ثم جو ممتاز، وعندما يكون الجو جيداً كفاية يخرج الناس للمشي وللتجول وفي رحلات بالسيارات وسياحة داخل البلاد، ويجلس الناس خارج المقاهي لشرب القهوة وتمضية الوقت مع الآخرين، لذلك أرى أن نكون أكثر دقة ونقول بأن الجو غير مناسب عندما يكون حاراً ورطباً، أحياناً الجو بلا رطوبة يكون مقبولاً وهناك أيام صيفية لا بأس بها خصوصاً في الفجر والصباح الباكر.
تحدثت في مدونتي السابقة عن تخطيط المدن وكيف أن مدننا مصممة للسيارات وأنه بالإمكان رفع مستواها بتصميمها لتكون مناسبة للمشاة وللمواصلات العامة الجيدة، لكن يبدو أن البعض يقرأ هذه الكلمات ويظن أنني أدعوا لإجبارهم على المشي أو سحب سياراتهم وهذا ما لا أريده، المدن القابلة للمشي حول العالم لم تمنع السيارات وإن كان بعضها يضيق على السيارات بالتكاليف ومنعها من السير في شوارع محددة.
هناك عدة نقاط أود الحديث عنها وسأحاول الاختصار:
الشوارع تتسبب في ظاهرة الجزر الحرارية، المدن عموماً تتسبب في هذه الظاهرة وهناك عدة حلول من بينها طلاء المباني بطلاء عاكس للحرارة أو أبيض، كذلك طلاء الشوارع بطلاء عاكس للحرارة، أو تغطية الأماكن بالأشجار وتبريد الأماكن بمساحات خضراء وبالأشجار والنوافير، يمكن تبريد المكان من درجتين إلى خمس دراجات تقريباً.
تخطيط المدن الذي يفصل بين السكن والأنشطة التجارية غير عملي، لأنه يضطر الناس لاستخدام السيارات ومن مصلحة أي بلد أن تقلل من استخدام السيارات لأقل حد ممكن، هذا سيوفر الوقت والتكاليف على الجميع، لذلك وجود سوق صغير (مثل سوق البطين) سيساعد الناس على تجنب الذهاب لأماكن بعيدة لشراء ما يلزمهم، خصوصاً إن صمم السوق بعناية وتنوعت محلاته، يمكن كذلك أن يكون مكاناً لالتقاء الناس هناك بوجود مقهى ومطعم وربما ساحة داخلية مزروعة ومظللة أو يكون سوق مغلق ومكيف.
قبل يومين فقط ذهبت لمكان على بعد أقل من عشر دقائق بالسيارة وقد كنت سعيداً بذلك لأننا ومنذ الانتقال لهذا البيت نضطر للخروج بالسيارة وكل شيء على بعد عشرين دقيقة أو أكثر، أكره الجلوس في السيارة وأظن أنني سأكره قيادتها لكنني سأكون مضطر لذلك.
تخطيط الأحياء السكنية يحتاج لتغيير، بيتنا محاط بثلاث شوارع وكل الجيران على نفس الصف محاطين بشارعين من الأمام والخلف، هذا غير ضروري، يمكن إلغاء الشارع الخلفي وتقريب البيوت في الصف التالي لتشكل رصيف للمشاة بين صفي المنازل وهذا مكان مناسب للأشجار كذلك، بالطبع هذا لن يحدث الآن لأن الشوارع عبدت والبنية التحتية أسفلها تستخدم وستكون التكلفة كبيرة والعناء أكبر على الجميع والبيوت بنيت الآن ولن تهدم لثلاثين أو خمسين عاماً على الأقل.
مع ذلك المناطق الجديدة ما زالت تخطط بهذا الشكل، تصور كم ستوفر الدولة من التكاليف بألغاء شارع واحد بين كل صفين من المنازل؟ أدرك بأن البعض سيعترض ويرى أهمية أن تستطيع السيارات الوقوف خلف وأمام المنزل لأننا كما يبدو اعتدنا على أن نقف مباشرة أمام ما نريد وننزل له إلا البقالات والمطاعم الهندية، هذه لا ننزل لها بل ننادي العامل بأبواق السيارات.
وجود متجر كبير في وسط الحي سيكون رائعاً، هناك مساحة فارغة كبيرة أمام منزلنا وأتمنى أن تستغل لأمرين، الأول مسجد والثاني متجر كبير مثل جمعية أبوظبي التعاونية، هذا سيجعل المكان أفضل ويوفر للعديد من سكان المنطقة متجر على مسافة مشي، وحتى من يرفض المشي سيكون على بعد دقيقة بالسيارة بدلاً من أن يذهب لمكان بعيد أو يشتري في الإنترنت من مكان بعيد ويأتيه التوصيل للمنزل.
الجو الحار مشكلة وكل مشكلة لها حلول، وأدرك أن هذه المشكلة لن تحل كلياً لكن يمكن التعامل معها والتخفيف من حدتها، لا يمكن أن نقبل بالوضع الحالي على أنه الوضع الوحيد ولا يمكن فعل أي شيء، الاعتماد الكلي على السيارات مشكلة لكن أدرك الآن أن البعض لا يرى ذلك أو لا يرى مشكلة، تغيير القناعات سيحتاج لوقت أو أعترف أنه قد يكون مستحيلاً في مجتمعات تعتمد كلياً على السيارات ولا تستطيع تخيل أي بديل آخر.
لنتعلم من تجارب مدن أخرى، العديد من المدن حول العالم وفي مختلف أنواع المناخ غيرت من سياساتها وتخطيطها لتجعل المدينة مناسبة للناس أكثر، لا شك هناك ما يمكن أن نتعلمه من هذه التجارب.
في النهاية أدرك أن ما أكتبه هنا لن يغير شيئاً، لكن لعل وعسى أن يقرأ شخص هذا الكلام ويكون سبباً في التغيير في المستقبل الذي لن أراه.
لقد وضعت يدك على الجرح يا أستاذ عبد الله !
المعماريين و مخططي المدن عندنا يدرسون برامج غربية، و مسؤولينا بفكرون بعقل غربي. لهذا تجد مدننا تخطط و تبنى بدون الالتفات للبيئة و الثقافة المحليتين.
لهذا تبدوا مدننا و كأنها هجين من بيئات و ثقافات مختلفة.
يفترض بهم أن يفكروا بماضي المنطقة وقبل السيارات وكيف عاش الناس في هذه الفترة، هناك العديد من الأفكار التي تستحق التطبيق.
نعم المحلات وسط اﻷحياء السكنية هي اﻷفضل ليس فقط لأنه يتيح للأطفال أن يذهبوا لشراء الاحتياجات اليومية بدلاً من أن تكون وظيفة اﻵباء هي شراء الأشياء اليومية البسيطة بالسيارة.
مشكلة ارتفاع الحرارة في المُدن الساحلية ليس من السهولة حلها وذلك لارتفاع الرطوبة. أذكر أني عشت خمس سنوات في مدينة صامتة جنوب جيزان وكانت مدينة صامتة تبعد فقط حوالي 6 كيلومترات من البحر، كان الجو فيها أكثر جفافاً من جيزان الساحلية، كان الفرق كبير جداً لدرجة أني كنت أتعجب عندنا نذهب لجازان وأرى الأطفال يلعبون كرة طائرة وكانت أيديهم بها طين من أثر اختلاط الرطوبة بالتراب
فكلما تمددت المدن إلى الداخل بعيداً عن البحر تختلف تقل الرطوبة كثيراً
ما تقوله صحيح، في نفس الوقت يفترض ألا ننسى أن الجو ليس حار ورطب طوال العام، عندما يكون الجو بارداً يفترض أن يشجع المكان الناس على المشي وقضاء حوائجهم بدون سيارات أو يشجع على التقليل من استخدام السيارة، وعندما يكون حاراً يمكن للناس الاعتماد كلياً على السيارة.