جربت في الماضي شراء حذاء من أمازون ثلاث مرات وأعدتها كلها، القياس صحيح لكن الحذاء غير مناسب لأسباب مختلفة، أتذكر أحدها كان مؤلماً لتصميمه الذي يجعله مثل المشي على مسامير، الأحذية والملابس يفترض أن تشتريها بنفسك من أحد المحلات، شراء أحذية من المواقع يعني الانتظار ثم التجربة ثم إعادة الحذاء وانتظار أن يعود المال للحساب ثم تكرار الأمر، من الأبسط الذهاب لمحل واختيار حذاء مناسب ولن يتطلب الأمر الكثير من الوقت، وفي حال لم تجد ما تريده يمكن الذهاب لمحلات أخرى.
غوغل من ناحية أخرى رأت أن تطور تقنية معقدة تحل هذه المشكلة بالنيابة عنك وتعيد الحذاء لأمازون دون تدخل منك، محرك الذكاء الاصطناعي من غوغل صمم لأداء مهام متعددة وإعادة ما اشتراه الفرد لأمازون مثال، وهو مثال جيد لما تفعله كثير من الشركات التقنية الصغيرة والكبيرة فهي تطور حلول أكثر تعقيداً لمشاكل صنعتها شركات تقنية أخرى بدلاً من حل المشكلة من جذورها، أنت يمكنك حل المشكلة بألا تشتري من أمازون وتتجه لمحل في مدينتك.
مؤخراً طرح منتجان في السوق هدفهما حل مشكلة تقنية أخرى، كلاهما يعتمدان على الذكاء الاصطناعي وكلاهما يتصلان بالشبكة وكلاهما غير قادر على فعل الكثير، كلاهما أيضاً يشترك في نفس الهدف: التقليل من استخدام الهاتف أو محاولة استبداله.
تقنية أكثر تعقيداً لحل مشكلة تقنية أخرى باختصار، مع ذلك أجدني أفهم الهدف من الجهازين وأرى أنه هدف جيد لكن كلاهما غير جاهز أو كافي.
هذه الأجهزة تقدم مساعد شخصي يعتمد على الذكاء الاصطناعي وهذا يبدو أنه التوجه الحالي بعد المساعدات الافتراضية التي ظهرت في الماضي من أبل من خلال سيري ومن أمازون في أجهزة أليكسا، لكن هذه التقنيات كانت محدودة وفي حالة أمازون فقد وظفت آلاف الناس للاستماع لما يقوله الناس وهذا لتعليم الذكاء الاصطناعي ورفع جودة الردود، بالطبع هذا يعني أن أمازون تسمح لآلاف الموظفين للاستماع لخصوصيات الناس، هذه الأجهزة التي يعتبرها البعض حلاً للوحدة قد تكون حقاً حلاً لأن هناك آلاف الناس يستمعون للمستخدم الوحيد!
شركة هيوماين صنعت منتجاً يعمل بدون هاتف ويحتاج لبطاقة خاصة به واشتراك شهري والجهاز نفسه سعره 700 دولار والهدف استبدال الهاتف الذكي كلياً، الشركة سوقت للفكرة خلال السنوات القليلة الماضية وبالغت في قدراته وعندما طرح في السوق اتفقت المراجعات على أن الجهاز غير كافي وغير عملي حتى مع تقديمه لبعض الوظائف العملية، الفكرة جيدة لكن الجهاز لم يصل بعد إلى مستوى الفكرة ويحتاج لسنوات من التطوير.
المشكلة الثانية التي يواجهها الجهاز هو الهاتف الذكي الذي يحاول استبداله، الهاتف يحوي شاشة ويمكنه تقديم كل الوظائف التي يقدمها الجهاز وأكثر من ذلك، ويمكن فعل كل هذا دون الحديث للهاتف وهو ما يتطلبه جهاز هيوماين.
الجهاز الثاني من شركة رابت أو الأرنب وهو جهاز برتقالي اللون ويحوي شاشة صغيرة وسعره 200 دولار وليس بحاجة لاشتراك، ومثل جهاز هيوماين؛ الأرنب يسعى لأن يخلص المستخدم من الحاجة لاستخدام الهاتف طوال الوقت لكنه لا ينجح في فعل ذلك ويكرر مشاكل هيوماين.
من ناحية أخرى أنا معجب بعجلة التدوير على الجانب، هذه القطعة أو الوسيلة لتصفح القوائم أجدها عملية وسهلة الاستخدام ولا تجد حقها في الأجهزة الحديثة، الكاميرا التي يمكنها توجيهها لأمام أو الخلف أيضاً فكرة تعجبني، لكن اعتماد الهاتف على الذكاء الاصطناعي ومحدودية ما يقدمه يجعله غير عملي والمراجعات تتفق على ذلك.
قبل أيام أعلن عن Chat GPT-40 النسخة الأحدث من محرك الذكاء الاصطناعي وأحد كتاب النيويورك تايمز يشبه الخدمة بالذكاء الاصطناعي في فيلم هير (Her) الذي عرض في 2013، لم أشاهد الفيلم لكن قرأت ملخصه في ويكيبيديا، رجل (ثيودور) مقبل على الطلاق ويعاني من الوحدة وقع في حب ذكاء اصطناعي وتتطور العلاقة إلى حد غريب، الفيلم ينتهي برحيل الذكاء الاصطناعي (إلى أين؟!) بعد اعترفه أو اعترافها بأنها وقعت في حب مئات الناس وليس ثيودور فقط، في نهاية الفيلم يجلس ثيودور مع جارته آمي فوق السطح ويشاهدون الغروب، لعل رسالة الفيلم في آخر مشهد أن علاج الوحدة هو صنع علاقة مع الناس وليس الآلة.
بعض مؤسسي الشركات التقنية يطورون التقنيات على أساس أفلام أو روايات من الماضي مع أن هذه الأعمال تحذر من واقع شكلته التقنية التي يصورها العمل، لكنهم لا يهتمون لذلك وما يهمهم هو صنع الجهاز أو التقنية، ولحل أي مشكلة سيصنعون تقنيات أخرى، الهدف دائماً هو صنع حاسوب من نوع مختلف لتغطية عيونهم وآذانهم والعيش في عالم افتراضي مثالي بعيداً عن الواقع المعقد والصعب وبعيداً عن التعامل مع الناس، ويريدون أن يجعلوا العالم يتبنى هذه الرؤية.
رأيت في تويتر من ينتقد ناقدي مدير شركة Open Ai الذي كتب في تغريدة “her” مشيراً بالطبع إلى الفيلم والذكاء الاصطناعي التي تطوره الشركة قد وصل لهذا المستوى كما في الفيلم، المدير انتقد ثم رأيت من يرد عليهم بأنه يعاني من الوحدة وأن المساعد الإلكتروني يحل المشكلة.
في هذا العالم الذي صنعه التقنيون حيث حاولوا بكل وسيلة حذف الناس مما يسمونه المعادلة لا شك أن الناس سيعانون من الوحدة، يطلبون الطعام من الشاشات ويصلهم إلى أبوابهم ولا يرون شخصاً، يتسوقون من الشاشات وتصلهم الأشياء، يخرجون ويحمون أنفسهم من التعامل مع الآخرين بوضع سماعات على آذانهم والتحديق في الشاشات طوال الوقت، حتى عندما يتلقون بآخرين قد ينشغل كل شخص بشاشته وفي عالمه وينسون العالم حولهم.
الحل ليس مساعد إلكتروني بل تغيير هذا الواقع، لكن ذلك الوحيد في تويتر ليس بمقدوره فعل ذلك لوحده، لذلك المساعد الإلكتروني هو خير جليس له، وهذا محزناً حقاً.
نقطة أخيرة، في الستينات والسبعينات من القرن الماضي كان هناك توجهان في عالم الحاسوب لتطوير تقنياته، أحدهما كان يؤمن بأن الذكاء الاصطناعي سيكون هو الوسيلة للتفاعل مع الحاسوب والمستخدم عليه فقط أن يسأل، التوجه الثاني يؤمن بأن مسؤولية مطوري تقنيات الحاسوب هو تطوير تقنيات تساعد المستخدم على صنع ما يريدونه من أدوات لتشكيل بيئة حوسبة تناسبهم، كانوا يرون إمكانية تحول الحاسوب لأداة تعليمية لكافة الأعمار وكذلك استخدامه للتعاون مع الآخرين لحل مشاكل معقدة.
في 2024 غوغل تعلن أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إعادة حذائك إلى أمازون! ما تقدمه شركات التقنية اليوم لم يصل بعد لأفكار ظهرت قبل أكثر من خمسين عاماً.
قرأت فضيحة تخص مساعد شخصي أظن rabbit فقد إكتشفو أن بداخله تطبيق أندرويد …تجربة شراء الحذاء من المتجر لا يمكن تعويضها بالشراء عن بعد فعليك قياسه وتجربته وتجربة عدة أحذية …
لا أراها فضيحة، حتى منتج هيوماين يعتمد على نظام آندرويد، وإن اعتبرنا أن ذلك فضيحة فهناك منتجات عديدة تعتمد على لينكس أو آندرويد وتعمل كتطبيق فوق النظام.
شخصيًا أحبّ الشراء بنفسي، هذا يُتيح معاينة السلعة عيانًا وباللمس للتحقق من جودة التصنيع والمواد الخام وتجربته. لم أستخدم إطلاقًا خِدمات “أمازون” و “علي إكسبريس”، أقصى ما وصلتُ إليه هو الطلب عبر الهاتف والتوصيل للمنزل والدفع عند الاستلام وبعد التحقق من المُنتج والكمية.
ما يدفعني للشراء عبر الهاتف أو الواتسأب توفير الوقت خاصةً إذا كان الطلب من مدينةٍ أخرى – عمّان غالبًا، حيث أحتاج لأكثر من أربع ساعات للذهاب والشراء والإياب، بخلاف مصاريف المواصلات، لذا أفضّل طلب الشراء هاتفيًا واستلامه عند باب منزلي والدفع عند الاستلام فقط.
ليس لدي حسابٌ مصرفي، والحمد للـه على توفيقه بأنني لم أفتح حسابًا، ولا أتعامل بالأقساط. أفضّل الدفع نقدًا حاضرًا كاملًا فورًا لأنه “أريَح لراسي”، جربت الدفع عبر بطاقات الائتمان مسبقة الدفع، وذات مرة حصل خطأ منهم في إحدى المعاملات – رفض العملية بادئ الأمر ودفعت حينها نقدًا ثم بعد ساعات خصم المبلغ من البطاقة، لكن تعيّن علي التقدّم بطلب شكوى هاتفي وتسجيلها، وانتظار تحقّقهم من صحتها، ثم انتظار إعادة المبلغ في خلال 7 إلى 14 يوم عمل – عمليًا شهر واحد تقريبًا وذلك بعد احتساب مدة التحقّق و “تكرمهم” بإعادة المبلغ وأيام الإجازات الأسبوعية والحدّ الأقصى لمُهلة إعادة المبلغ. لذا أنفقت الرصيد المبتقي سريعًا وكسرت البطاقة.
شيءٌ آخر يدفعني لعدم الشراء عبر الإنترنت يتعلّق بالغُش في أوصاف المنتج أو المغالاة في سعره، وهذا تشتهر به المواقع التي تبيع منتجات صينية رديئة، الصينيون – وتُجّارنا – بارعون في الغش ورفع الأسعار، خصوصًا مع عدم وجود أنظمة فعّالة لحماية المُستهلك في بلدي (الأردن)، لذا من الشائع مثلًا أن تجِد المنتج أصغر بكثير من الحجم الذي توحي به الصور الترويجية، وأن رديء التصنيع وسهل الكسر وهشّ، أو أن الأداء الفعلي غير مطابق إطلاقًا للمواصفات المُعلن عنها. أو أنها معروضة بأضعاف سعرها في المحال.
هنالك شيء آخر عاينته واقعًا، المقاسات الصينية غالبًا كاذبة، مثلًا في حالة الملابس يكتبون عليه قياس “لارج” مثلًا، لكن تجِد أنه صغير على جسمك وأنك في هذه الحالة تحتاج واحدًا قياس “أكس أكس أكس لارج بالصيني” 🙂
وهنالك شيء آخر يتعلّق بالشراء عبر مواقع التجارة الإلكترونية والخِدمات وما إلى ذلك، أنه بمرور الوقت يتحكم في طريقة عرضه المُنتجات والخِدمات وتسعيرها لك بناءً على ما جمعه عنك من بيانات حول الدخل القُدرة الشرائية وسلوكك الاستهلاكي وحاجتك للسلعة… إلخ وفي معم الحالات يعني هذا رفع الأسعار.