نحافة آيباد واستياء الناس من أبل

إن كان لديك شيء تقوله ففي رأيي أن كيفية قوله أهم من القول نفسه، أبل ضايقت الكثير من الناس بإعلانها الجديد عن جهاز آيباد الجديد والنحيف جداً كما تريد منا أبل أن نعرف، الجهاز نحيف حقاً وهذا إنجاز يستحق أن يعلن عنه بإعلان فرح تيم كوك مدير أبل بتقديمه، لكن أبل لم تدرك أنها لم تعد مثل أبل في الماضي، أبل شركة بحجم ثلاث تريليون دولار ولم تعد تلك الشركة التي كادت أن تفلس وعادت بقوة وكان لها معجبون كثر في فترة صنعت فيها منتجات عديدة مميزة وما زال الناس يتذكرون هذه الفترة، الآن أبل تقدم آيفون جديد، وآيباد جديد وأجهزة ماك جديدة وليس فيها ما يثير الحماس … إلا ألوان آيماك، هذه تعجبني حقاً.

ما حدث باختصار: قبل ثلاثة أيام كان لأبل حدث إعلامي – إعلاني؟! – وفيه أعلنت عن أجهزة آيباد جديدة، أحدها بنحافة 5.3 ملم والثاني 5.1 ملم، عليك أن تنتبه لهذا لأن أبل تريد منك أن تعرف أن الجهاز نحيف حقاً وأنحف حتى من الجيل السابع من آيبود نانو (5.4 ملم)، الجهاز يحوي كذلك تقنية لتسريع خصائص الذكاء الاصطناعي، وفي الحدث عرض تيم كوك إعلاناً لأبل عن جهازها النحيف حقاً وهذا الإعلان سيعرض في قنوات التلفاز لاحقاً، هذا الإعلان أثار استياء العديد من الناس، ثم ظهر فريق آخر استاء من استياء الناس!

الإعلان يعرض أدوات عديدة تستخدم لصنع الفنون على أنواعها وكذلك الكاميرات والدفاتر وقد وضعت على منصة معدنية وفوق كل الأدوات هناك مكبس كبير ينزل ببطء ويضغط على كل شيء ويدمر كل الأدوات، وبعد أن يرفع ترى آيباد النحيف حقاً. رسالة الإعلان واضحة فهو يخبر المشاهد أن آيباد يمكن استخدامه لصنع أنواع من الفنون وأن كل الأدوات التي ضغطها المكبس يمكن أن تجدها في آيباد، وليست المشكلة في الفكرة هذه بل في طريقة عرضها، حواسيبنا الشخصية المكتبية والمحمولة يمكن استخدامها لصنع أنواع من الفنون كذلك، الهواتف الذكية يمكنها صنع الفنون أيضاً لكنها محدودة بشاشتها الصغيرة.

لو أن الإعلان عرض الفكرة بطريقة مختلفة لما اعترض الناس عليه، الإعلان كأي مادة إعلامية سيراه الناس بمختلف وجهات النظر والواقع سيكون له تأثير على ما يرونه، هذا الإعلان لو عرض قبل خمس أو عشر سنوات ففي الغالب لن يعترض عليه إلا القليل، لكن الآن اعتراضات الناس دفعت أبل إلى الاعتذار عنه وإلغاء عرضه على قنوات التلفاز، ما رآه الناس في الإعلان أن أبل تدمر أدوات الإبداع وتسحقها وتضيف لذلك الذكاء الاصطناعي الذي له سمعة سيئة، كأنما تقول بأن الناس ليسوا بحاجة لهذه الأدوات ولا حتى المبدعين فكل شيء موجود في جهاز نحيف حقاً وبشاشة كبيرة ويمكن استخدام القلم للتحكم به.

كان بإمكان أبل أن تغير طريقة عرض الفكرة لتجعل هذه الأدوات تخرج من الجهاز بدلاً من تطحن وهذا في رأيي سيكون مقبولاً ولن يثير أي ضجة، بالطبع هناك من يقول بأن الإعلان نجح لأنه نجح في شد انتباه الناس وهذا لا يختلف عن القول بأن سلة مهملات فاحت منها رائحة كريهة نجحت في جذب انتباه الناس! ما حدث هو تغير نظرة الناس تجاه أبل وشركات تقنية أخرى، الناس لم يعودوا ينظرون لها بإيجابية وهذا لن يشكل أي فرق الآن لكن ربما يكون له عواقب سلبية لأبل على المدى البعيد.

ليس كل انتباه هو انتباه إيجابي، أحياناً الانتباه السلبي يجب أن يكون علامة تحذير للشركة لتغير مسارها وهذا الإعلان وردة الفعل عليه لا شك لدي هو واحد من هذه اللحظات.

ثم هناك الفريق الذي استاء من استياء الناس من الإعلان، يسأل بعضهم: أليس هناك أمور أكثر أهمية؟ بالطبع هناك أمور أكثر أهمية وهناك دائماً قضايا أكثر أهمية هذا لا يعني ألا ننتبه لما هو أدنى منها في الأهمية، ثم هناك من يسخر ويصف الناس بأن لديهم الكثير من الوقت أو لديهم حساسية عالية كأنما يطلبون من الناس عدم الحديث وعدم النقد، كأنما يقولون بأن على الناس الصمت وتقبل الأمر كما هو وهذا كلام فراغ.

الإعلانات في الماضي أثارت غضب الناس وستفعل ما دام المعلنون يحاولون شد الانتباه بأفكار قد تضايق الناس، هناك ما يسمى بالدراسات الإعلامية والإعلان جزء من ذلك، الإعلان والتسويق مجال يتعلمه الناس وينتقده الناس أكاديمياً، ما دام هناك إعلانات وتسويق وشركات سيكون هناك نقاش عن كل ذلك.

أما آيباد … أرجو ألا تنسى بأنه أنحف منتج صنعته أبل في تاريخها، هذا يبدو مهماً لأبل.