
إن لم تسمع بقانون الأداة من قبل فأنت في الغالب واجهته أو ربما جربته بنفسك، القانون يقول ببساطة أن الأداة المألوفة لك ستكون الحل لأي شيء، أو كما يردد البعض: إن كانت الأداة الوحيدة لديك هي المطرقة فكل مشكلة تصبح مسماراً، والشركات التقنية لديها العديد من المطارق التي يقدمونها حلاً لكل شيء، مؤسسي الشركات التقنية ممن مارسوا البرمجة يظنون أن كل مشكلة حلها سيكون بصنع برنامج وجهاز وتقديم حل لمشاكل ربما لم يفكر فيها أحد.
البداية كانت بالحاسوب المكتبي والنقال، ثم بالأجهزة الكفية التي تحولت لهواتف ذكية، هناك حواسيب متخصصة في فعل شيء محدد مثل مشغل صوتيات مثل آيبود أو ساعة ذكية رياضية، هناك أجهزة سماعات أو شاشات ذكية يمكن للفرد الحديث معها مباشرة مثل أليكسا من أمازون، تسأل أليكسا عن الطقس فتخبرك به، يمكنك معرفة الطقس بطرق أخرى كذلك مثل فتح النافذة لثوان قليلة لترى بنفسك، أو ترى المعلومات في هاتفك أو التلفاز أو الحاسوب.
لنعد الحواسيب التي قد يستخدمها أي فرد اليوم:
- حاسوب مكتبي أو نقال، للعمل غالباً.
- حاسوب لوحي، للعمل والترفيه وإن كان يميل للترفيه أكثر.
- هاتف ذكي، للعمل والترفيه.
- ساعة ذكية، تعطي المستخدم بعض خصائص الهاتف مع وجود مستشعرات للصحة.
- سماعة أو شاشة ذكية، تقدم خصائص مختلفة لكن يمكن للهاتف أو الحاسوب المكتبي أن يقدمها كلها.
- قارئ كتب، شاشة الحبر الإلكتروني هي الميزة الأساسية له.
- جهاز ألعاب فيديو.
- تلفاز ذكي، نعم … هذا حاسوب.
شركات التقنية تفكر أين يمكن أن تضع حاسوباً آخر، الوجه مكان لم يستغل بعد والنظارات تبدو الخيار المثالي لذلك، في روايات وأفلام الخيال العلمي هناك أجهزة تستخدم لعرض معلومات مختلفة عن الواقع ومؤسسي الشركات التقنية يريدون تحقيق هذه الفكرة بطريقة ما وقد كانت هناك محاولات عدة، لكن ثلاثة منها تهمني في هذا الموضوع.
نظارات غوغل
في 2013 طرحت غوغل نظاراتها وسمتها Google Glass، طرحتها بسعر 1500 دولار وهو ما جعل العديدين ينتقدونها من هذه الناحية، السعر مرتفع لشيء لم يثبت فائدتها بعد، التصميم انتقد كذلك لأنه تصميم مختلف عن النظارات المألوفة والناس لديهم حساسية من الظهور بمظهر مختلف عن الآخرين، قلة من لديهم الاستعداد للبس هذه النظارات، هناك قطعة زجاجية أمام العين اليمنى تحوي شاشة صغيرة وإلى الجانب منها هناك كاميرا، يمكن التحكم بالنظارة من خلال لمس الجانب الأيمن منها.
هذا المنتج لقي انتقادات كثيرة حول الخصوصية، هناك أماكن منعت مستخدمي المنتج من الدخول لها، هناك امرأة تعرضت لاعتداء بسبب النظارة، صحفي تعرض لهجوم بسبب النظارة، بدأ الناس يستخدمون كلمة Glasshole لوصف من يلبسها ولا زال هذا الوصف يستخدم إلى اليوم، جزء من هذا الغضب تجاه المنتج يكمن في غضب الناس من غوغل نفسها والشركات التقنية وأثرها على كاليفورنيا ومدينة سان فرنسيسكو، وجزء آخر يكمن في تخوف الناس من التلصص عليهم باستخدام هذه النظارات.
غوغل ما زالت تطور النظارات لكنها الآن تسوق النظارات للشركات والمؤسسات كأداة للعمل وليست أداة شخصية تباع لعامة الناس.
نظارات سنابشات
طرحت شركة التطبيق المشهور سنابشات نظاراتها في 2016 وقد كانت أقرب لتصميم النظارات المألوفة لكن مع فارق وجود دائرتين تحيطان بالكاميرتين، عند تشغيل الكاميرا تضيء مصابيح صغيرة محيطة بالعدسة وهذا ما يجعلها واضحة أكثر للآخرين ويمكن معرفة إن كان المستخدم يسجل الفيديو أم لا.
النظارات طرحت في سوق محدود ولم تنتشر ولا زالت سنابتشات تطور المنتج، ردة الفعل على هذه النظارات كما أذكر كانت أقل سلبية وأذكر أن التعليقات انتقدت طريقة طرحها في السوق أكثر من أي شيء آخر، لا يمكن شرائها في الشبكة عندما طرحت لأول مرة وعلى الفرد أن يشتريها من آلة خاصة لذلك وهذا ما حد من انتشارها وفشل النسخة الأولى منها، سناب استمرت في تطوير المنتج وجعلتها أخف وزناً وقادر على التقاط الصور وطورت كذلك البرنامج الذي يشغل النظارات.
انتقادات الخصوصية لهذه النظارات كانت أقل حدة لأن شركة سنابشات مستقلة وهذه النظارات هدفها الأساسي ترفيهي ولتطبيق واحد، تلتقط عشر ثواني لمقطع الفيديو الواحد.
نظارات فايسبوك
أول شيء عليك معرفته عن نظارات فايسبوك أن اسمها ليس نظارات فايسبوك بل راي بان ستوريز (Ray-Ban Stories)، الشيء الآخر هو تصميم النظارات فهي تبدو نظارات شمسية عادية يلبسها أي شخص، هناك كاميرتان وهناك مصباح صغير على زاوية كل كاميرا يمكن تغطيته بسهولة وهذا يخالف “الشروط والأحكام” لهذا المنتج، فايسبوك تدرك تماماً أن اسمها أصبح الكوباء ولذلك هذه النظارات لا تحمل اسمها.
لاستخدام النظارات على المالك أن يستخدم تطبيق فايسبوك الخاص بها، النظارة غير مرتبطة مباشرة بفايسبوك بل بالتطبيق والتطبيق غير مرتبط بمزودات فايسبوك بعد (قد يحدث ذلك لاحقاً مع أي تحديث)، التطبيق يحفظ الصور والفيديو الذي التقطته المستخدم وبعد ذلك يمكن للمستخدم فعل ما يشاء به، فايسبوك تخطط لإضافة تقنية التعرف على الوجوه لهذا المنتج.
ما الفرق بينها وبين كاميرات الهواتف؟
البعض ينكر اعتراض الناس على النظارات ويسأل لماذا الناس يتقبلون كاميرات الهواتف لكن ليس النظارات، والجواب بالطبع يكمن في طبيعة استخدام التقنية، لكي تصور بالهاتف عليك أن تستخدمه بطريقة محددة يعرفها الناس ويعرفون أنك تصور أو تلتقط الفيديو، مستخدم الهاتف لا يحمل هاتفه أمام وجهه طوال الوقت ويصور طوال الوقت، الهاتف له استخدامات مختلفة غير التصوير.
النظارات الذكية من ناحية أخرى تسوق على أساس أنها جهاز تصوير جاهز دائماً للتصوير متى ما أراد المستخدم، يمكن بضغطة زر أن يبدأ المستخدم في تسجيل الفيديو دون أن يدرك من حوله أنه يفعل ذلك، والمصباح الصغير الذي ينبه الآخرين أن الكاميرات تعمل يمكن تغطيته بسهولة.
أعود لمؤسسي الشركات التقنية ومطارقهم، كشخص يحب التقنية أفهم تماماً لماذا يطورون هذه التقنيات، كثير منهم يتحمس للأداة وما يمكن أن تقدمه دون التفكير في العواقب ودون التفكير في أن هناك أناس لديه نية سيئة وسيستخدمون هذه المطارق لإيذاء الآخرين.
موضوع مهم وخطير. هوس الناس بالتصوير مخيف ومرعب.
لم أطلع بعد على رأي علماء النفس والاجتماع في هذا الأمر. مستقبلاً سأخصص وقت لأفهم هذا الهوس.
.
في الجانب الآخر لدي نظرة إيجابية نوعاً ما، أحس أن هوس الناس بالتقنية -ليس التصوير- بشكل عام بدأ يقل. نستطيع أن نرى ذلك في ردود الأفعال على مؤتمرات كبرى الشركات. سابقاً كانت هذه المؤتمرات تحدث ضجيجاً وتزعجنا أخبارها في كل مكان والناس يتحدثون عنها قبل وبعد المؤتمر بشهر، أما في السنوات القليلة الماضية، الوضع تحسن قليلاً.
.
لا أعرف إن كان كلامي صحيحاً أو هو مجرد شعور بسبب ابتعادي عن عالم التقنية في الفترة الأخيرة.
السمعة الجيدة التي كانت الشركات التقنية تحظى بها في الماضي ضيعته في سنوات قليلة، الحماس الذي كان الناس يعبرون عنه تجاه أي منتج جديد أصبح مخلوطاً بشيء من الشك والتردد والشركات لا يمكن أن تلوم أحداً إلا نفسها على هذا التغيير، وهذا ليس متعلق بفرد بل شعور جمعي عالمي، الآن هناك حكومات تود تقييد الشركات التقنية بالقانون.
برأيي المشكلة بالأساس سببها النزعة الاستهلاكية. اليوم تسوق الشركات للنظارات و كيف تسهل عمليات مع أن الناس قد لا يحتاجونها. رأينا الساعات الذكية و التسويق لها مع أنها لا تفيد إلا القلة ممن قد يستفيدون من الخصائص التي تقدمها.
معك في ذلك، الآن شركات أخرى ستبدأ تطوير النظارات ويصبح هناك سوق لمنتج لا يحتاجه أحد، هذا يذكرني بأمر، كثير من المنتجات صنعت قبل ظهور الحاجة لها ثم بالتسويق خلقت الشركات الحاجة.