قصة سيكل خان

المصدر: Federico Brunetti

في الثمانينات والتسعينات وعندما كنت أقود دراجة هوائية وعندما كانت شيئاً مألوفاً في المنطقة كان هناك نوعان من الدراجات الهوائية، الأول هو ما كنا نركبه وهي دراجات متوسطة الحجم وإطاراتها تأتي بمقياس 20 إنش وهي دراجات بي أم أكس (BMX) هذه الدراجات لها تاريخ يعود إلى 1970 وقد صممت للسباقات على حلبات ترابية وكذلك تستخدم لما يسمى الركوب الحر وهو استخدام الدراجة لإنجاز حركات عجيبة حقاً.

النوع الثاني من الدراجات وهو ما يهمني في هذا الموضوع هي دراجات كان يركبها رجال من الجالية الباكستانية والهندية ولا زالوا إلى اليوم، دراجات كبيرة الحجم وإطاراتها تأتي بمقياس 22 إنش أو أكبر، الجسم متين وصنع ليدوم طويلاً ومطلي بلون أخضر غامق، هناك جرس على الجانب الأيمن من المقود ويمكنني سماع صوته بمجرد أن أكتب هذه الكلمات.

هذه الدراجة كنا نسميها سيكل خان، لأن الباكستانيين كانوا أكثر من يستخدمونها في ذلك الوقت، وإلى اليوم أراهم يستخدمونها والهنود كذلك، تراهم يحملون عليها الكثير من الأثقال، مثلاً هناك من يجمع الصناديق الكرتونية كل يوم ليبيعها كمصدر رزق والدراجة مهمة لهؤلاء وما يفعلونه مهم للمدينة لأنهم يساعدون على إعادة تدوير الصناديق، لكنهم يعملون بعيداً عن أي اعتراف بهم، أراهم يعملون في آخر الليل وفي الفجر حتى لا ينتبه لهم أحد.

ما قصة هذه الدراجة؟ من أين أتت؟ كان لدي فضول لمعرفة ذلك ومنذ وقت طويل وهذا الموضوع يحاول أن يقدم إجابة


لسنوات وأنا أظن أن هذه الدراجات من صنع باكستان لأن اسمها كان لدينا هو سيكل خان لكن في المنزل رأيت دراجة وكنت أشعر بالملل فالتقطت صورتين لها. الأولى تبين شعارها وشعارات الدراجات الهوائية مثل هذه تعجبني حقاً وأرى أن بالإمكان أن يكون جمعها هواية رائعة.

الثاني للمقعد الذي بين لي أنها مصنوعة في الهند ومصنعها هو هيرو (Hero Cycles) وهو مصنع ما زال يعمل إلى اليوم، المصنع بدأ عمله في 1956 وبمرور السنوات أصبح أكبر مصنع للدراجات الهوائية ويصدر منتجاته لبلدان آسيوية وأفريقية عدة والشركة الآن تصل لأوروبا وتصنع دراجات كهربائية، الشركة كذلك تعمل في مجال تصنيع قطع لشركات السيارات مثل غيار السرعة وممتص الصدمات وغير ذلك.

في موقع الشركة لم أجد الدراجة الهوائية التي رأيتها في المنزل، لم يعد يبيعونها والموقع لا يعرض تاريخ منتجات الشركة بل تاريخ مختصر لأهم المراحل وهذا أمر مؤسف حقاً، حتى الآن لم أجد أي معلومة عن هذه الدراجات.

كيف تبحث عن شيء لا تعرف اسمه؟ بحثت بالإنجليزية بكلمات دراجات هوائية تقليدية ووجدت فوراً صوراً للدراجة التي أبحث عنها وقد كانت صورة لدراجة من الصين، هنا أدركت أن هذه الدراجة لا شك تصنع في دول آسيوية عدة وينتشر استخدامها، كيف لم أفكر بهذا من قبل؟ أعلم جيداً أن الصين كانت تعتمد كثيراً على الدراجات الهوائية وإلى بدايات التسعينات من القرن الماضي، كان علي أن أدرك بأن هناك لا شك مصانع صينية.

قبل البحث في الصين أردت أن أبحث عن مصنعي دراجات هوائية في باكستان وهناك قائمة لمصانع عالمية في ويكيبيديا ومنها وجدت مصنع سوهراب، في موقع المصنع وجدت أن آخر تحديث كان في 2007 مما رأيته في ذيل الصفحة الرئيسية، الموقع يخبرني كذلك بأنني أحتاج لتحديث مشغل فلاش! في صفحة المنتجات هناك عدة أقسام ومن بينها قسم الدراجات الهوائية، يصنعون كذلك كراسي ذات العجلات ودراجات هوائية لبيع الآيسكريم وللشحن ودراجات للتمارين.

في صفحة الدراجات الهوائية أرى ثلاث دراجات تقليدية وكلها تشترك في تسميتها بكلمة رودستر (Roadster) وهي كلمة مألوفة لدي في عالم السيارات وتصف سيارات مكشوفة أو ذات سقف متحرك، لكن لم أعرف من قبل أنها تستخدم لوصف دراجات هوائية وبالفعل هناك نوع من الدراجات الهوائية التي يسمى بهذا الاسم.

بعد ذلك بحثت عن مصنع صيني وهناك أكثر من واحد لكن ما يهمني منها هو مصنع الحمامة الطائرة (Flying Pigeon) وهي شركة  مملوكة للحكومة الصينية، الشركة بدأها رجل أعمال ياباني في 1936 وبدأ في صنع دراجات هوائية تحت اسم المرسا (Anchor) وقد كانت اليابان تحتل جزء كبير من الصين في ذلك الوقت، امبراطورية اليابان كانت لها مطامح توسعية وقد بررت جزء من ذلك بأنها تحمي آسيا من الغرب وقد كانت آسيا تعاني من تدخلات الغرب، بريطانيا وفرنسا وهولندا والبرتغال كان لها وجود واحتلال في آسيا، لكن هذا لا يبرر الاحتلال الياباني الذي يعتبره البعض أسوأ من الاحتلال الغربي، لكن هذا موضوع آخر تماماً.

مصنع الحمامة (اسم جميل حقاً!) استمر في صنع دراجات هوائية باسماء مختلفة حتى تمكن الشيوعيون من إحكام سيطرتهم على الصين في 1949، هنا أجد فجوة في المعلومات لأنني أتوقع أن الحرب اضطرت المصنع للتوقف وربما تعرض المصنع لأضرار أثناء الحرب لكن لم أجد معلومات كافية، ما وجدته أن الحكومة الصينية أرادت من المصنع أن يكون مصنع الدراجات الهوائية الأول في الصين لكي تعيد إحياء هذه الصناعة، مما يعني أنها توقفت لفترة أثناء الحرب.

الحكومة أرادت دراجات متينة وخفيفة وجميلة، أحد عمال المصنع استلهم التصميم من دراجة إنجليزية من شركة رالي الإنجليزية وهو تصميم لدراجة تعود إلى 1932، منذ 1950 وإلى 2007 أنتج مصنع الحمامة دراجات هوائية تقليدية اسمها Flying Pigeon PA-02 وقد صنع منها ما يفوق عن 500 مليون واحدة خلال هذه الفترة، وبالتالي هي أكثر مركبة صنعت في التاريخ.

إذاً كل المصانع الهندية والباكستانية والصينية اعتمدت على تصميم لدراجة إنجليزية، وهو تصميم بسيط وأنيق حقاً وعملي، قائد الدراجة يمكنه أن يجلس باستقامة أو على الأقل لا ينحني كثيراً كما يفعل راكبي الدراجات الرياضية، سلسلة العجلة في الغالب لها غطاء يحميها من الغبار والماء وهذا يقلل الحاجة لصيانة الدراجة الهوائية، الجسم نفسه متين ويتحمل المشاق ويمكن للدراجة أن تعيش لعقود إن أحسن المالك العناية بها.

الدراجة كذلك لها رف فوق الإطار الخلفي وهذا الرف يمكنه حمل الكثير، أرى عمال التوصيل للبقالات يضعون عليه صناديق يحكمون ربطها بالرف وينقلون المشتريات للمنازل القريبة، وإن بحثت في الويب عن صور لأناس يحملون الكثير على دراجاتهم ستجد الكثير، مثل هذه الصورة:


أحياناً الفضول يجب أن يبقى فضولاً، أحياناً أن يبقى السؤال بلا إجابة خير من الوصول للإجابة، لكن في نفس الوقت بعض الأسئلة لن ترحل ما لم أجد لها إجابة وقد كانت هذه الدراجة واحدة من هذه الأسئلة، يمكن كتابة موضوع كإجابة كما فعلت هنا ويمكن كذلك كتابة كتاب عنها لو أردت ذلك، لأنه موضوع شيق حقاً بالنسبة لي وما زالت هناك كثير من التفاصيل التي لم أكتبها هنا.

الدراجات الهوائية كانت ولا زالت مهمة وأرى أنها ستلعب دوراً يزداد أهمية قريباً، المجتمعات عليها أن تتعلم كيف تعيش بلا سيارات ويمكن للدراجة الهوائية أن تكون بديلاً، ولفعل ذلك لا بد من تغيير اجتماعي ليتقبل الناس ركوب الدراجات واستخدامها لأغراض مختلفة وليس فقط لممارسة الرياضة.

2 thoughts on “قصة سيكل خان

  1. الدراجة كانت بالنسبة لي من أهم اﻷشياء التي امتلكتها، وأكثر دراجة عاشت معي امتلكتها عندما دخلت الثانوي وكُنت أذهب بها إلى المدرسة إلى أن قُبلت في الجامعة فأهديتها لابن خالتي. بحثت عنها أكثر من مرة في الإنترنت لكن لم أجد دراجة مطابقة، كان فيها شعار اﻷسد، وكانت تأتي بأكثر من مقاس لكن لا يوجد مقاس كبير جداً، أعتقد أنها تايوانية الصنع. أقرب دراجة وجدها في اﻹنترنت هذه الصورة :
    https://www.ebuy7.com/item/567315903960

    1. من الردود التي حصلت عليها في تويتر وردك هنا أفهم أن هذه الدراجة كانت موجودة في دول عربية عدة، وصنعت في مصر لمدة في مصنع مدينة نصر للسيارات، ما أتمناه هو أن يعود الناس لاستخدام الدراجات الهوائية بقدر الإمكان، المسافات الطويلة على الماشي تصبح قصيرة لراكب الدراجة، وهي متعة وصحة كذلك، ولا شك أقل تكلفة بكثير من السيارات.

Comments are closed.