
في أول العام رأيت هذه التغريدة التي تعبر عن فكرة بصورة، والصورة بالفعل معبرة لأنها تنتقد الشركات التقنية والذين يعملون فيها ومؤسسيها، خلال العشرين عاماً التي مضت كان هناك كثير من الكلام عن الشركات التقنية التي تتسبب في اضطراب ما في سوق ما وتغيره للأبد وفي الغالب تغيره لصالحها، القديم يتلاشى والجديد يكون عبارة عن شركة تقنية بتطبيق ينظم القديم بطريقة جديدة لكن الشركة وضعت نفسها في المنتصف.
خذ مثلاً أوبر وليفت وهما خدمتان للمشاركة بالسيارات، الفكرة كانت أنك إن كنت تملك سيارة يمكنك أن تستخدمها لتكسب بعض المال باستخدامها مثل سيارة الأجرة وتعرض خدمتك في التطبيق ويطلب خدمتك من يحتاج لسيارة، كانت هذه هي الفكرة وكانت تسمى اقتصاد المشاركة، الناس يشاركون بما لديهم من موارد وفي هذه الحالة السيارات، ما حدث أن الخدمة بسرعة بدأت تؤثر سلباً على سيارات الأجرة التقليدية حول العالم لدرجة أن مدن منعت الشركة من العمل في طرقها.
ما حدث كذلك أن تغيرت الفكرة ليعمل للشركة العديد من الناس الذين لا توظفهم الشركات ولا تتحمل تجاههم أي مسؤولية، مالك السيارة هو المسؤول عن السيارة وصيانتها وأي تكاليف أخرى والشركة لا تدفع له راتباً أو أي فوائد أخرى، الشركة لا تهتم بالسائقين وهم أساس الخدمة لأنها تعلم أن هناك طلب عالمي كبير على الخدمة وإن توقف سائق عن العمل سيأتي غيره.
أوبر وأي شركة مماثلة وضعت نفسها في المنتصف بين الراكب والسائق وتأخذ قيمة من الطرفين، لا أنكر أن التطبيقات تجعل عدة جوانب أكثر سهولة، لكنها أيضاً قطعت العلاقة المباشرة بين الراكب وسيارة ولا يمكن إنكار مشاكل الشركة الكثيرة، للأسف القيمة التي تقدمها أوبر تجعل البعض يبرر كل مشاكلها.
هناك سلسلة تغريدات لمارك هرست يذكر فيها مشاكل الشركات التقنية وكيف أثرت سلباً على مجالات عدة، عدة شركات مثل Airbnb وأوبر تضع نفسها في المنتصف وتنظم العلاقة بين مقدم الخدمة والزبون، شركات أخرى قدمت منتجات “ذكية” تجعل الشركات تجمع معلومات منها أو حتى تتحكم بها عن بعد كما في حالة المتحكم بالحرارة، بعض المنتجات تتطلب اتصال دائماً بالشبكة واشتراك لكي تستطيع استخدامها.
ماذا عن الشبكات الاجتماعية؟ الأمر لا يختلف كثيراً، قبلها كان الفرد ينشر في موقعه الشخصي أو مدونته ويزوره الناس، الشركات لديها مواقعها الخاصة وأحياناً منتديات، الناس ينضمون لمنتديات مختلفة بحسب اهتماماتهم والمنتديات يمتلكها أفراد غالباً، تقنية RSS جعلت عملية المتابعة سهلة ومباشرة ويمكن متابعة المئات من المواقع في مكان واحد وبقيت العلاقة بين القارئ والكاتب مباشرة.
جاءت الشبكات الاجتماعية وظن البعض أنها بديل أفضل عن الويب كما كانت في الماضي وقد كانت هناك مقارنات بينها وبين RSS والمدونات، انتقل العديد من الناس لها وتركوا المدونات والمواقع وجعلوا الشبكات الاجتماعية وسيطاً بينهم، في الماضي كانت الشبكات الاجتماعية تعمل مثل RSS؛ المحتوى مرتب من الجديد إلى القديم وليس هناك خوارزميات تغير المحتوى الذي تراه.
هذا تغير ونحن نعرف تاريخ الشبكات الاجتماعية لأننا عشناه وما زلنا، لا أحد ينكر أنها تقدم قيمة كما لا يمكن لأحد أن ينكر أضرارها ومشاكلها، عندما تفهم أن الشركة تخلق قيمة بوضع نفسها في المنتصف بينك وبين الآخرين فعليك أن تتحرك لفعل شيء تجاه ذلك، لا أقول احذف حسابك لكن افعل ما بوسعك لتجعل العلاقة بينك وبين الآخرين دون وسيط أو دون تطبيق تتحكم به شركة ما تبعد عنك آلاف الأميال.
مثلاً تحدثت كثيراً عن تقنية RSS، إن لم تكن تستخدمها فعلى الأقل استخدمها، مجانية، سهلة، توفر الوقت ومستقلة عن أي شركة.
شكرًا جزيلًا على سرد هذا الموضوع الهام، بالفعل أصبحت موضة الشركات التقنية أن تكون وسيطًا بين الطرفين، وتخترع مشاكل ليست موجودة ويعاني منهم فئة كبيرة من الجمهور، بل تقوم بعض الشركات بعمل هالة على هذه المشاكل لتضخميها، على سبيل الذكر مثلًا مؤسسين خدمة Hey للبريد الإلكتروني، لم يقدموا أي جديد في الموضوع، وسبب إقبال الناس على الخدمة هي المؤسسين وحديثهم المستمر عن سلبيات خدمات البريد الإلكتروني الأخرى.
كل ذلك يحتاج من المستخدم التفكير بعمق قبل أخذ قرارًا باستخدام هذه الخدمة وغيرها.
الآن هناك أناس يدفعون في الاتجاه المعاكس، نقدهم لشركات التقنية كان شيئاً يتجاهله أكثر الناس في الماضي عندما كانت التطبيقات شيئاً جديداً ورائعاً لكن الآن أصبح النقد للشركات مألوفاً بين عامة الناس ويدرك كثيرون مشاكلها على ما تقدمه من فوائد، هذا أمر حسن، لم يعد نقد التقنية شيئاً يمارسه أكاديميون لا يقرأ لهم سوى القليل.
هذه زاوية لم ننتبه لها من قبل أن شركات تقنية المعلومات نصبت نفسها في المنتصف كوكيل عن صاحب الخدمة اﻷصلي بالنسبة للمستخدم النهائي، وكوكيل عن المستخدم النهائي بالنسبة لصاحب الخدمة، أي أن الطرفين أصبحوا محجوبين عن الاتصال المباشر إلا في بعض الخدمات
وبهذا يكسبون قوة وسيطرة على السوق خصوصاً إن تغلبت شركة واحدة على الباقي، يوتيوب للفيديو، فايسبوك عالم لوحده، وهذا يجعل المنافسة صعبة ويترك خيارات قليلة للناس.