متروبولتن: السيارة الصغيرة في عالم الكبار

ملاحظة: الموضوع نشر أول مرة في 25 أكتوبر 2022، سأعيد نشر بعض المواضيع بين حين وآخر.

بعد الحرب العالمية الثانية بدأت جهود إعادة الإعمار في أوروبا وقد كانت الموارد محدودة وقوانين الحرب فيما يخص الموارد لم ترفع بعد وكان على الناس والحكومات العمل على إعادة بناء ما دمرته الحرب، في قطاع السيارات بدأت شركات في صنع سيارات صغيرة ورخيصة؛ في ألمانيا عادت فولكسفاجن لصنع سيارة البيتل في 1946 بعد توقف الإنتاج أثناء الحرب، في فرنسا بدأت ستروين في صنع سيارة أم حصانين (كما تسمى في بعض الدول العربية) في 1948، وبعض الشركات صنعت سيارات صغيرة بمحركات دراجات نارية، كل هذه الجهود كان هدفها توفير سيارات يمكن شراؤها في وضع اقتصادي صعب.

في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي كان الوضع مختلفاً تماماً في أمريكا التي لم تعاني من أي دمار وما طورته من تقنيات وأدوات للحرب يمكن الآن استخدامه لأغراض سلمية، المصانع التي تحولت لصناعات حربية أثناء الحرب عادت لتصبح مصانع مدنية، الحكومة الأمريكية مددت شبكة من الشوارع تربط كل أجزاء أمريكا وقد فعلت ذلك لتحاكي ما فعله الألمان، وبدأت في تطوير الضواحي وهي مناطق سكنية خارج المدن وقد كانت شيئاً جديداً في ذلك الوقت، الأغنياء والناس من الطبقة الوسطى انتقلوا من المدن إلى الضواحي وهذا أدى إلى تراجع عدد سكان المدن وازدياد عدد مالكي السيارات وهذا ما تطلب تعبيد مزيد من الطرق وتوسيعها.

في هذا الوقت ظهرت أنواع جديدة من المؤسسات وأساليب جديدة لتقديم الخدمات، مثلاً مشاهدة السينما في السيارات أو المطاعم التي تقدم خدماتها مباشرة لركاب السيارات وبدأت مراكز التسوق في الانتشار، أصبحت أمريكا تعتمد كثيراً على السيارات وتراجع الاستثمار في النقل العام؛ شركات السيارات لها دور في ذلك لكن هذه قصة أخرى.

كانت هذه فترة رخاء اقتصادي لقطاع كبير من الناس في أمريكا وكان الحلم الأمريكي سهل المنال في هذا الوقت وجزء من هذا الحلم هو امتلاك بيت وسيارة أو اثنتين، شركات السيارات بالطبع لم تكن في غفلة عن الأمر بل ساهمت في تحويل السيارة إلى موضة فصنعت سيارات كبيرة الحجم وبعضها يكاد يصل طولها إلى ست أمتار مع أنها لا تحمل سوى أربع أو خمس ركاب وبعضها لا تحوي أربع أبواب بل بابين فقط، التصميم الخارجي والداخلي كان يعتمد على تفاصيل كثيرة، كان تصميماً ضد التقليلية.

المقدمة مشحونة بالتفاصيل الصغيرة وذيل السيارة يبدو وكأنه ذيل طائرة

السيارات الكبيرة هي المألوف في ذلك الوقت، المبالغة في التصميم وتفاصيله كان متوقعاً، لذلك كان من الغريب أن تصنع شركة سيارات أمريكة منتج مختلف: سيارة صغيرة بتصميم بسيط.

متروبولتن

وليام فلجول

يمكن وصف متروبولتن بأنها سيارة أمريكية كبيرة صب عليها الماء فصغر حجمها، السيارة بدأت كفكرة في شركة ناش موتورز التي أصبحت لاحقاً جزء من شركة أميركان موتورز بعد اندماجها مع شركة هدسون، وقد كانت السيارة تباع لفترة باسم ناش متروبولتن أو هدسون متروبولتن ثم أصبحت تسمى متروبولتن فقط وأصبحت كعلامة تجارية خاصة.

السيارة بدأت كفكرة لمحاولة استغلال فئة من الزبائن لم تكن الشركات تهتم بهم سابقاً، النساء دخلن لسوق العمل بقوة في سنوات الحرب وبعدها وظهرت حاجة لوجود سيارتين في المنزل، شركة ناش لم يكن بإمكانها منافسة الشركات الثلاثة الكبيرة (جنرال موتورز، فورد وكرايزلار) لذلك من الحكمة التوجه نحو سوق ليس فيه منافسة كبيرة وهذا السوق يكمن في السيارات الصغيرة الموجهة للنساء، الشركة توجهت للمصمم وليام فلجول وطلبت منه صنع سيارة اختبارية وليس فقط تصميمها، فلجول وفريقه صنعوا سيارة سموها NXI Prototype:

فلجول أراد أن يقلل تكلفة السيارة لأكبر حد ممكن لذلك صمم بعض قطعها لتكون متشابهة مثل الأبواب وكذلك مقدم ومؤخر السيارة، هذا التصميم لم يصل لخط الإنتاج وصنعت سيارات اختبارية أخرى بتصاميم أفضل وبدأت شركة ناش في عرض هذه السيارات على بعض الصحفيين وعامة الناس لمعرفة ردة فعلهم وقد ثبت أن هناك بالفعل طلب على سيارة صغيرة، لكن شركة ناش تعرف أنه من غير العملي صنع السيارة في أمريكا حيث المصانع صممت لصنع سيارات كبيرة، لذلك اتجهت إلى بريطانيا وشركة أوستن لكي تصنع سيارات متروبولتن.

السلسلة الأولى من السيارة طرحت في 1954 وقد كان تأتي بلون واحد للجسم والسقف بلون أبيض، الإطارات كانت من نوع الجدار أبيض كما كانت العديد من السيارات في تلك الفترة (أود رؤية مثل هذه الإطارات اليوم!)، طول السيارة 3.7 متر ووزنها 810 كيلوجرام، كانت سيارة صغيرة مقارنة بالسيارات الأمريكية الكبيرة. السلسلة الثانية غيرت المحرك وعلبة الغيارات والسلسلة الثالثة جاءت بطلاء مختلف حيث الجسم له لونين، الأسفل أبيض والأعلى لون مختلف والسقف ما يزال أبيض اللون.

المصدر: ويكيميديا

تصميم السيارة وحجمها الصغير جعلها سيارة محبوبة في ذلك الوقت وحتى اليوم، السيارة وجدت نجاحاً واستمرت في السوق حتى العام 1962، اليوم هناك تجمعات سنوية لمالكي هذه السيارة وهناك مواقع لأندية هذه السيارة، كانت سيارة تبدو فخمة على صغر حجمها، قارن تصميمها بتصاميم السيارات اليوم التي تبدو عدوانية وغاضبة، متروبولتن تبدو لطيفة بالمقارنة، السيارات اليوم لا شك أفضل في كل شيء إلا التصميم، أرى أن تصاميم السيارات في الماضي كانت أفضل.