لدينا في المنزل غرفة نسميها غرفة القهوة لأن هناك آلة قهوة وأخي يستخدمها كذلك لألعاب الفيديو، أذكر أنني دخلت يوماً لأجده يلعب بلعبة جديدة رأيت صورها حول الشبكة لكن لم أقرأ شيئاً عنها ولا أعرف عنها شيئاً، أذكر رؤيتي لشخصيات اللعبة وكيف أن التفاصيل الصغير عالية الدقة، يمكنك أن ترى تفاصيل البشرة على وجوه الشخصيات والرسومات هنا تقترب كثيراً من تصوير الحقيقية كما هي لدرجة أذهلتني وهذا لا يحدث كثيراً، لا أحتاج لرسومات عالية الدقة لكي أستمتع بأي لعبة لكن لا يمكن إنكار أن رسومات ألعاب الفيديو وصلت لمستوى عالي ومثير لإعجاب.
في نفس الوقت أجدني أهتم أكثر بالسير في الاتجاه الآخر نحو رسومات أبسط أو حتى نحو عدم وجود أي رسومات، نحو الألعاب النصية وألعاب الورق والقلم كذلك، سبق أن كتبت عن لعبة الكتابة الإبداعية التي فاجأتني حقاً بكم المتعة التي شعرت بها أثناء تجربتها وهذا شعور لم أجده منذ عرفت ألعاب الفيديو، هذا جعلني أهتم أكثر بألعاب الورق والقلم مثل Dungeons & Dragons التي تعتمد كلياً على خيال اللاعبين وجعلني كذلك أدرك أن اللعب لا يحتاج أن يكون بألعاب الفيديو.
قد تتساءل لماذا سيتجه أي شخص إلى لعبة نصية بلا رسومات بعدما وصلت الرسومات لهذا المستوى من الإتقان والدقة؟ دعني أسأل: لماذا يقرأ الناس الروايات وهناك أفلام يمكنهم مشاهدتها؟ الرواية قد يقرأها مليون شخص وكل واحد منهم سيرسم عالماً مختلفاً للقصة وهذا يعني مليون عالم مختلف، عندما ترى فيلماً أو تلعب لعبة رسومية فالعالم مرسوم لك بكل تفاصيله ويمكنك أن تعيش في هذا العالم لفترة، لكن الروايات ستبقى دائماً هناك تعطيك فرصة لأن ترسم عالماً في مخيلتك وفي هذا متعة لا أظن أننا نريد أن نتخلص منها.
النص لن يذهب فقد بدأ الناس بالكتابة قبل آلاف السنين وسيبقون وسيبقى للنص قوته وأثره على الناس، الناس يحبون تذوق الشعر والعيش في عوالم الروايات وتحدي أنفسهم بقراءة الكتب التي توسع أفق معرفتهم وأفكارهم.
كتب اختر مغامرتك
في الفترة التي ظهرت فيها ألعاب الحاسوب النصية ظهرت كذلك كتب مغامرات أو كتب ألعاب كما تسمى (Gamebook) وكانت هناك كتب تسمى اختر مغامرتك حيث القارئ هو بطل القصة واختياراته تقوده لمسارات مختلفة من القصة ولنهايات مختلفة وهكذا يمكن للكتاب تقديم تجربة جديدة عند كل قراءة، هذه الكتب كانت موجهة للأطفال والمراهقين لكن لاحقاً ظهرت قصص موجهة للكبار كذلك.
وظهرت كتب أخرى كذلك تقدم تجربة أكثر عمقاً من مجرد اختيار مسارات مختلفة للقصة، كتب تبدو كلعبة فيديو لكنها مكتوبة ويخوض القارئ فيها مغامرة لا تختلف كثيراً عما يجربه البعض مع ألعاب الفيديو، هذا فيديو يتحدث عن سلسلة فعلت ذلك:
أذكر أنني رأيت هذه الكتب في المكتبات عندما كنت صغيراً ولم أكن أتقن الإنجليزية بعد، أذكر أنني فهمت فكرة الكتاب لكن حاجز اللغة يمنعني من تجربته، هل كانت هناك كتب عربية مماثلة في ذلك الوقت؟ هل هناك كتب عربية مماثلة الآن؟ أتخيل أنني سأستمتع كثيراً بكتاب مماثل في ذلك الوقت والآن مع توجهي للنص أكثر أود تجربة كتب عربية مماثلة.
هذه الكتب ما زالت تصدر وقد انخفضت مبيعاتها في التسعينات وظن كثيرون أنها ستنتهي لتعود مرة أخرى وتجد شهرة جديدة وتجد كتباً بأنظمة جديدة، كتاب مصاص دماء بعمر ألف عام واحد من هذه الكتب الجديدة لكنه مختلف في كونه يعتمد عليك لكتابة القصة.
الألعاب النصية
ألعاب الحاسوب النصية بدأت في 1975 مع لعبة مغامرة (Adventure)، الحاسوب يخبرك بما يحدث وأنت تخبره بما ستفعل وقد وجدت اللعبة شهرة بين طلاب وأساتذة الجامعات الأمريكية المتصلة بشبكة أربانيت ومن هذه البداية ظهرت ألعاب أخرى كثيرة منها اللعبة الشهيرة Zork التي ما زالت موجودة ويمكن شرائها وتجربتها، اللعبة من صنع شركة أنفوكوم التي اشتهرت بصنع ألعاب نصية عديدة واختيار تغليف مميز لكل لعبة، هذا وثائقي يحكي قصة الشركة:
في بدايات الثمانينات وفي جامعة بريطانية تعاون طالبان (ليس جماعة طالبان بل طالب × 2!) لصنع لعبة نصية شبكية سموها MUD وهي لعبة في مزود يمكن لأكثر من شخص الاتصال به واللعب مع الآخرين وهذه اللعبة هي أساس ألعاب الشبكة اليوم، ألعاب شهيرة مثل World of Warcraft وUltima Online جاءت بعد تطور الألعاب الشبكية وانتقالها من النص إلى الرسومات، لكن ألعاب MUD ما زالت موجودة إلى اليوم.
جربت مؤخراً لعبة اسمها Alter Aeon وهي لعبة من نوع MUD وهذا يعني إمكانية أن يتفاعل اللاعب مع آخرين من حول العالم، اللعبة نصية وقد أعطتني ذلك الشعور بالمتعة والحماس لم أجده منذ وقت طويل حقاً، لا أذكر أنني شعرت بذلك منذ منتصف التسعينات أو قبل ذلك، اللعبة تقليدية من ناحية قصتها وأنظمتها ولأنها نصية فهي تترك للخيال كل التفاصيل وهذا تجربة مختلفة عن الألعاب الرسومية وشيء لم أجربه منذ وقت طويل.
ما فاجأني في اللعبة أنها تحوي مؤثرات صوتية جعلتني سعيد حقاً بوجودها لأنني كتبت مرة فكرة لعبة نصية تحوي مؤثرات سمعية وبصرية تغني تجربة اللعب.
الآن هناك من يجرب محرك الذكاء الاصطناعي GPT-3 لكي يصنع لعبة نصية لا نهاية لها، التجارب غير ناجحة لكن مبشرة وقد تصل في يوم ما إلى إنشاء محرك لعبة يمكن استخدامه لصنع ألعاب نصية مختلفة.
لكن مهما تقدمت تقنيات الحاسوب تبقى ألعاب الورق والقلم الأفضل في رأيي مع أنني لم أجرب إلا واحدة، لأن هذه الألعاب تعتمد كلياً على خيال اللاعبين وتعاونهم أو تنافسهم وهذه تجربة إبداعية اجتماعية لا يمكن لألعاب الفيديو تقديمها، وأرى أن هناك حاجة لأن يجربها الناس بعد عقود من هيمنة ألعاب الفيديو، أقول هذا وأنا أحب ألعاب الفيديو وقد كان لها تأثر كبير على حياتي ولن أتوقف عن اللعب بها.
نعم هناك كتب عربية بنفس الأسلوب .. اذكر احدها مترجم صدر نهاية الثمانينات وآخر منتصف التسعينات … المترجم متوافر على عرب كوميكس سأرسله لك ان شاء الله
شكراً للمعلومة، هل هناك كتب غير مترجمة؟ كتبت بالعربية من البداية؟