كلما كتبت كلمة الإنترنت تذكرت الأخ شبايك وكيف أنه يكتبها إنترنت وأجدني أوافقه لكن العادة تجعلني دائماً أضيف ال التعريف، والأخ شبايك هو أحد أصدقاء الإنترنت ممن لهم تأثير إيجابي علي وعلى كثير من الناس وأنا محظوظ بأنني التقيته مرات عدة، قبل أن أعرف أي شخص في الشبكة كنت أظن أن فكرة أصدقاء تعرفهم من خلال وسيلة تواصل إلكترونية هم ليسوا فعلاً أصدقاء لكن الشبكة أثبتت أنني مخطأ وليست هذه المرة الأولى، أذكر أنني سخرت من فكرة أخرى ثم وقعت في ما سخرت منه لكن هذه قصة أود أن تبقى لنفسي ولا أخبر أحداً بها.
هذا موضوع طويل بعض الشيء عن الشبكة وتويتر وأصدقاء الإنترنت.
(1)
في مقطع فيديو تحدث الكاتب جون غرين عن تجربة جديدة سيخوضها لمدة عام والتجربة ببساطة هي حجب الشبكات الاجتماعية فايسبوك وتويتر وإنستغرام في متصفحه وهاتفه وسيقرأ الأخبار من الصحف الورقية، جون يفعل ذلك لأن كثيراً من انتباهه يذهب للشبكات الاجتماعية وسيل المعلومات والأخبار الذي يأتي من هذه الشبكات.
الصحفي والكاتب الأمريكي فرهاد مانجو كتب في مقال عن تجربته لقراءة الصحف الورقية لشهرين، النتيجة كانت أن سيل الأخبار أصبح أبسط وأبطأ وخال من الإثارة والتضليل أو على الأقل شبه خال وبما أن الورق ليس كالشاشات فلا يمكن للورق أن يغير محتواه أو يعرض إعلانات جديدة أو يتابع نظراتك أو يتابعك ويعرف عاداتك، الورق تقنية أبسط بكثير من كل هذا التعقيد، فرهاد وجد أن الورق يقدم تجربة أكثر هدوء وأقل إثارة للقلق من التقنيات الرقمية.
صحيفة النيويورك تايمز كتبت عن خدمة أخبار أبل وما الذي يجعلها مختلفة، وما يجعلها مختلفة هو وجود فريق من الصحفيين يختارون العناوين والأخبار، هذا يبدو أمراً بسيطاً لكن قارنه بفايسبوك وتويتر ويوتيوب، الخدمات الثلاثة تعتمد على الخوارزميات لتعرض عليك محتويات ومقترحات لمحتويات ولأن الخوارزميات صممت لتختار ما يجذب انتباهك ستجد منها بعض المحتوى السيئ لأن الحاسوب والبرامج ليس ذكية كفاية لتفهم ما تريد.
هذه الخوارزميات تجعلني أتجنب النقر على بعض الروابط لكي لا تظن أنني مهتم بنوع ما من المحتوى، مرة نقرت على رابط في يوتيوب لمقطع فيديو يتحدث عن أسرار مخفية للحضارات القديمة وكان المقطع متخماً بالهراء وليس هناك مصدر لكل المعلومات المغلوطة التي ذكرها، الآن يوتيوب يظن أنني مهتم بمقاطع فيديو عن مؤامرات مختلفة لإخفاء التاريخ “الحقيقي” للبشر والحضارات القديمة.
كل هذا وغيره من مشاكل الشبكات الاجتماعية، بالنسبة لي ليس لدي مشكلة جون غرين أو فرهاد مع الشبكات أو الهاتف، ليس لدي إدمان على الأخبار أو محاولة ملاحقة كل جديد ومثير، مشكلتي مع تويتر بالتحديد مختلفة في كونها متعلقة بإدارة تويتر، لكن مشاكل الشبكة لها تأثير على الناس وعلى العالم ولا شك أن هذا التأثير سيصلني ولو قليلاً.
(2)
بضعة تعليقات ورسائل بريد إلكترونية وصلتني من أصدقاء الإنترنت وأكثرهم يريدون مني العودة إلى تويتر، حقيقة أنا سعيد بلطفكم ولا يمكنني أن أقول “لا” بعد هذه الرسائل، سأعود إلى تويتر لأنني حقيقة أفتقد التواصل معكم ومع آخرين، لكن عودتي ستكون إن شاء الله في بداية 2019.
التعامل مع شركات التقنية يعني التعامل مع مشاكلها، إدارة تويتر مثلاً وعدم تطبيقها شروط استخدام تويتر على الحسابات المشهورة، أبل ومبالغتهم في تكاليف الصيانة والرغبة في التحكم بطريقة استخدام الناس لأجهزتهم، غوغل ومشكلتها مع الخصوصية وقبل ذلك فقدت ثقتي بخدماتهم فليس هناك ما يضمن استمرار شيء منها، فايسبوك يمكنه أن يذهب لأقرب مكب نفايات، لم أستخدمه وأتمنى أن تكون نهايته قريبة.
هذا يذكرني بما فعلته في الماضي عندما كنت أعمل متطوعاً في نادي تراث الإمارات وكان العمل سبباً لتواصلي مع الناس، النادي كان مكاناً ثالثاً، أي أنه ليس بالمنزل أو مقر عمل ويمكن للأفراد زيارته يومياً وممارسة أنشطة مختلفة أو حتى فقط الجلوس حول أكواب الشاي للدردشة، النادي كان مكاناً رائعاً للتواصل بين الناس وتكوين صداقات جديدة وبالتالي الوصول لفرص جديدة.
لكن لكل شيء إذا ما تم نقصان وهذا حال الدنيا؛ لا شيء يبقى كما هو، النادي تغير والناس خرجوا منه وتفرقنا وحاول البعض تعويض ذلك بالمجالس، لكن هناك شيء مختلف في مجالس الناس يجعلني لا أود زيارتها، حاولت أن أزور واحداً منها لكن المجلس ليس كالنادي، أن تزور مجلساً كل يوم للحديث والدردشة وأكواب الشاي قد يكون ممتعاً للبعض لكن ليس لي، أريد أن يكون هناك شيء مختلف، عمل تطوعي أو حتى أنشطة ترفيهية مختلفة وهذه ليس مكانها في المجالس، ثم هناك حديث المجالس الذي قد يكون مفيداً في بعض الأوقات لكنه غالباً كلام لا أود الاستماع له أو المشاركة فيه.
لذلك توقفت عن زيارة المجالس وهذا جعلني أبتعد عن الناس وكلما مضى مزيد من الوقت زاد ابتعادي عنهم وزادت رغبتي في عدم اللقاء بهم وقد وجدت ما أردت، من أسميهم أصدقاء في الماضي لم أرى أحداً منهم منذ وقت طويل وقد حاول البعض التواصل معي لكن تجنبتهم ووصلت لمرحلة من الانقطاع يمكنني أن أقول فيها أنه لم يعد لدي أصدقاء، أرقام هواتفهم حذفت منذ سنوات.
عدم التواصل مع الناس أدى إلى خروجي من كل الدوائر الاجتماعية وهذا يعني أنني بعيد عن واقع المجتمع وبعيد عن أي فرص وأي تواصل اجتماعي وهذا يعني أنه ليس بإمكاني تكوين صداقات جديدة.
لماذا أذكر ما قلته أعلاه؟ لأن ابتعادي عن تويتر ذكرني به ويبدو لي أنني أسير على نفس النمط، أريد حلاً مثالياً في عالم ليس فيه حلول مثالية، كان علي أن أقبل بالمجالس وأزورها بين حين وآخر حتى لا أقطع كل علاقاتي بالناس، كذلك الأمر مع تويتر، أكره تويتر لكنه المكان الذي يجتمع فيه كثير ممن أهتم بأمرهم وكثير من أصدقاء الإنترنت.
(3)
تغير الجو وبدأ موسم إغلاق المكيف وهذا يجعلني سعيداً، كذلك بدأ موسم الخروج من المنزل أو بالأحرى أن أخبر نفسي بأنني سأخرج من المنزل أكثر في هذا العام لكن في كل عام أدرك بأنني أحب الجلوس في المنزل وأستمتع بذلك كثيراً وبالتالي ربما علي أن أقبل بطبيعتي هذه.
لكن سأجرب شيئاً هذه المرة، أود زيارة بعض الأماكن وتصويرها والكتابة عنها أو حتى فقط عرض صورها ومن يدري لعل بعض الأماكن تحوي نشاطاً ما، سأكتب موضوعاً منفصلاً عن هذه التجربة وفيه سأضع قائمة لأماكن يمكنني زيارتها ويمكن للزوار هنا متابعتي وتذكيري بأنني لم أزر شيئاً منها بعد!
مقال آخر للكاتب فرهاد تحدث فيه عن الهوايات والمجتمعات الإلكترونية، الإنترنت هي مكان جميل وقبيح وهذا يعتمد كثيراً على أين تنظر وماذا تفعل في الشبكة، فرهاد يتحدث عن تجربته مع هواية صنع الخزفيات وكيف وجد مجتمعاً إلكترونياً لهذه الهواية وكيف أن هذا المجتمع إيجابي وجميل، لماذا؟ لأنه مجتمع يدور حول هواية تمارس خارج الشبكة وبعيداً عن الحاسوب.
لاحظت شخصياً أن المجتمعات الإلكترونية التقنية سلبية بعض الشيء وبعضها سلبي كثيراً خصوصاً مجتمعات ألعاب الفيديو، مثلاً قبل أيام شركة ألعاب فيديو معروفة أعلنت عن لعبة فيديو للهاتف ومن ردود أفعال الناس يخيل لي أن بعضهم يعتبر ما فعلته الشركة أسوأ شيء على الإطلاق في تاريخ البشرية، كانت ردودهم عاصفة في فنجان لكنها عاصفة مستمرة إلى اليوم وتصنع كثيراً من السلبية والتشاؤم، دعني أذكرك بأن كل هذا متعلق بلعبة فيديو! هناك نقد جيد بين الردود لكنه يضيع في سيل من الردود السيئة والوقحة والساخرة.
من ناحية أخرى مجتمع إلكتروني حول لوحات المفاتيح مثلاً أجده إيجابياً وسعيداً ويشجع أفراده بعضهم البعض على صنع أو تجميع لوحات مفاتيح مميزة ومختلفة، كذلك الحال مع مجتمع للحواسيب القديمة، أو مجتمع لتجميع الحواسيب الحديثة.
أخبرني: عندما تكون في الشبكة أين تنظر وماذا ترى؟
التلفاز والمذياع كلاهما تقنيات أبسط بكثير من الإنترنت، لذلك لا يحتاجان للكثير من الجهد للتعامل معهما، يمكنك أن تختار بسهولة ماذا ترى أو تسمع ويمكنك أن تغلقهما بسهولة، الحاسوب مختلف وأكثر أهمية ويحتاج للكثير من الجهد لكي تختار بعناية ما ترى وتسمع وتقرأ وتتفاعل معه.
أعود لمقال فرهاد؛ ما أريد أن أقوله بأن الشبكة يمكنها أن تصبح مكاناً إيجابياً بحسب اختياراتنا وكذلك بحسب ما نفعله خارج الشبكة، إن لم تكن لديك هواية تبعدك عن الحاسوب وتجعلك تستخدم يديك أو جسمك بأكمله فربما عليك البحث عن واحدة، وإن كان لديك هواية فاجعلها جزء من هويتك في الشبكة وشارك الناس بما تفعله، وإن كنت تفعل ذلك فربما يمكنك أن تقنع أصدقاء الإنترنت بفعل شيء مماثل، أي البحث عن هواية بعيداً عن الشبكة وعن الحاسوب.